الجنةحقيقة الإسلامدراسات حول علم الحديثدراسات قرأنيةكاريكاتير

الجنة في الإسلام (1) جنة اليوم الآخر

الجنة في الإسلام (1) جنة اليوم الآخر

 

مجديوس السكندري

أركان الإيمان السّتة في الإسلام:

الجنة في الإسلام (1) جنة اليوم الآخر“أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ “. (1)

أي أنَّ الإيمان باليوم الآخِرِ هو الركن الخامس من أركان الإيمان الإسلامي. واليوم الآخِر هو اليوم الذي تنتهي فيه حياة الدنيا وتبدأ الحياة في الدار الآخِرة، أى في الجنة أو في النار. فهو بالتالي يوم البعث والجزاء، ” يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ … “(2) .. يَعْنِي : يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حِينَ تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْبِدْعَةِ وَالْفُرْقَةِ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. (3)

 

شهوة كل مُسلم ذلك اليوم لأنه يوم تقرير المصير:

على المُسلم أن يجتهد ويطيع الله ويطبّق شريعته آملاً بالجنّة مع عدم التأكّد نهائيّاً من دخولها. وقد أشار حُجّة الإسلام الغزالي إلى هذه الحقيقة في معرض تعليقه على ما ورد في (سورة مريم 71:19-72) حيث قال كاتب القرآن:

“وإِن مِنْكُم إٍلا وارِدَها،

كانَ على ربُّكَ حَتْماً مَقضيَّاً.

ثُمَّ نُنَجِّي الّذينَ اتَّقوا ونَذَر الظَّالِمينَ فيها جِثِيَّا”..

حين كتب قائلاً:

فأنت من الورود على يقين

ومن النجاة في شك.

فاستشعر في قلبِكَ هولَ ذلك المورد

فَعَساكَ تستعدّ للنجاةِ منهُ“. (4)

 

الجنة في الإسلام (1) جنة اليوم الآخرقال القرطبي فى تفسيره:

” قَالَ سَمِعْتُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ ”

( الْوُرُودُ الدُّخُولُ لَا يَبْقَى بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ إِلَّا دَخَلَهَا

فَتَكُونُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بَرْدًا وَسَلَامًا

كَمَا كَانَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ

ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) .(5)

أي أن كل مُسلم سيدخل جهنّم بالتأكيد، ثم سينجي الله الأتقياء ويخرجهم منها ليضعهم في الجنة، والمشكلة هي أنّهُ لا يوجد أي مُسلم في العالم يستطيع أن يؤكد أنَّهُ من الأَتقياء النّاجين من هول الجحيم.

ومع ذلك يعتقد المسلمون أنَّ من يقاتل ويستشهد في سبيل الله سيدخل الجنّة بالتأكيد، وذلك بحسب ما جاء في (سورة آل عمران 169:3-170):

” وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا

بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)

فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) “.

فإن كان الشهيد سيدخل الجنة حقاً، فلماذا قال في (سورة مريم 71:19) إن الجميع سيدخلون النّار وبدون استثناء؟ فإمّا أن القرآن يناقض نفسه، زكما قال كاتب القرآن : ” أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا(سورة النساء 4 : 82) .. أو أن الشهداء لا يدخلون الجنّة بل سَيَرِدون إلى جهنم مثل بقية المسلمين !

تعريف الجنّة وأسماؤها:

فإن الجنة في اللغة:

الروضة والبستان العظيم الذي يستر ما بداخله، وهي مشتقة من مادة: جنن التي هي بمعنى الستر، ولذلك سمى الجن جناً لاستتارهم واختفائهم عن الأنظار، كما سمي الجنين جنيناً لاستتاره في بطن أمه، ومنه جنون الليل أي شدة ظلمته وستره لما فيه… انظر لسان العرب.

وأما في الشرع:

فإنها دار الخلود والكرامة التي أعد الله -عز وجل- لعباده المؤمنين وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم، وفيها من النعيم المقيم الأبدي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، كما قال سبحانه وتعالى: ” فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” (سورة السجدة 32  :17) .(6)

أىهي دار الثوب الأكبر ،أي دار النعيم الدائم في الدّار الآخرة ودار السعادة المطلقة التي وعد بها الله المؤمنين برسالة محمد ودار الخلود.

جاءت كلمة الجنة في القرآن ست وستين (66) مَرَّة بصيغة المفرد..

فنقرأ مثلاً في (سورة البقرة : 2 :  82) قول كاتب القرآن:

“والذّين آمنوا وعملوا الصّالحات

أُلئك أصحابُ الجّنّة هم فيها خالدون”.

 

وفي (سورة مريم 63:19):

” تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا”.

 

الجنة في الإسلام (1) جنة اليوم الآخروفي (سورة النّازعات 40:79-41):

“وأمّا من خافَ مقام ربَّه

ونَهى النَّفس عن الهوى

فإنَّ الجنّةَ هي المأوى” .

ومن جملة هذه الآيات وغيرها الكثير يستنتج القارئ أن الله وعد المؤمنين بجنَّةٍ سيقضون بها الأبديَّةِ معاً،

ولكننا نفاجئ عندما نجد القرآن يتحدث عن جَنّاتٍ بصيغة الجمع، وليس مجرد جنةٍ واحدة، حيث وردت كلمة جَنّاتٍ تسع وستين (69) مَرَّةً في القرآن، أي أكثر من عدد مرّات ذكر الجنّة، ومن الأمثلة على ذلك قول كاتب القرآن في (سورة البقرة 25:2 ):

“وبشَّر الّذين آمنوا وعمِلوا الصّالحاتِ

أَنَّ لهُم جنّاتٍ تجري مِن تحتِها الأَنهار”،

وفي (سورة لقمان 8:31 ):

“إِنَّ الَّذين آمنوا وعمِلوا الصَّالحاتِ لهُم جَنَّاتِ النَّعيم”،

وفي (سورة الطور17:52)” إن المتّقينَ في جناتٍ ونعيم”.

وهكذا سيقضي المؤمنون أبديتهم موزّعين في جَنّات النّعيم.

 

أسماء الجنة فى القرآن:

الجّنة أو الجنّات  يُطلق عليها القرآن أسماءً مختلفة توحي بالنَعيم المقيم، نذكر منها على سبيل المثال :

الحُسنى:

أنظر (سورة النساء4 : 95) ؛ (سورة الرعد13 : 18) ؛ (سورة النحل 16 : 62) ؛ (سورة الكهف 18 : 88) ؛ (سورة الأنبياء 21 : 101) ؛ (سورة فصلت 41 : 50) ؛ (سورة الحديد 57 : 10)  ؛ (سورة الليل 92 : 6 ، 9).

 

دار السلام:

أنظر (سورة الأنعام 127:6) ، (سورة يونس25:10).

 

جَنَّة عدن أو جنّاتُ عدنٍ:

أنظر (سورة التوبة 9 : 72) ؛ (سورة الرعد 13 : 23) ؛ (سورة النحل 16 : 31) ؛ ( سورة الكهف 18 : 31)؛ (سورة مريم19 :  61) ؛(سورة طه 20 : 76) ؛ (سورة فاطر 35 : 33) ؛ (سورة  ص 38 :  50 ) ؛ (سورة غافر 40 : 8) ؛ (سورة الصف 61  : 12) ؛ (سورة البينة 98 : 8).

الجنة في الإسلام (1) جنة اليوم الآخرجنّة نَعيم أو جَنّاتُ النَّعيم:

أنظر (سورة يونس 10 : 9) ؛ ( سورة الحج22  : 56) ؛ (سورة الشعراء 26  : 85) ؛ (سورة لقمان 31 : 8)؛ (سورة الصّافات 37 : 43) ؛ (سورة الواقعة 56  : 12 ،89 ) ؛ (سورة القلم 68 : 34) ؛ (سورة المعارج 70 : 38).

طوبى:

أنظر (سورة الرّعد 29:13).

 

دار الآخرة:

أنظر (سورة النّمل 30:16).

 

دار المتَّقين:

أنظر (سورة النَّمل 30:16).

 

الفردوس:

أنظر (سورة الكهف 107:18) ؛ (سورة المؤمنون 11:23).

 

جَنَّة الخُلد:

أنظر (سورة الفرقان 15:25).

 

الغُرفَة:

أنظر (سورة الفرقان 75:25).

 

دار المقامة:

أنظر (سورة فاطر 35:35).

 

الجنة في الإسلام (1) جنة اليوم الآخردار القرار:

أنظر (سورة غافر 39:40).

 

جَنَّة عالية:

أنظر (سورة الحاقة 22:69) ؛ (سورة الغاشية 10:88).

 

جنةَ عَدْن هى أكثر الأسماء شيوعاً للجنّة في القرآن، وهو في واقع الحياة يجسد الحلم والشوق في وجدان الُمُسلم. ومعروفٌ أنّ “جَنَّةِ عَدْنٍ” قد ذكرت أولاٍ في الكتاب المقدس، حيث كانت مسكن آدم وحواء عندما خلقهما الله فى الأرض. (7)

بعد ذلك يأتي اسم جنة نعيم أو جنات النعيم بالتساوي مع تكرار اسم الحُسنى، وهكذا تكون جنة عدن هي الحسنى وجنة النعيم، وقد اسْتَرْسَلَ القرآن في وصف هذا النعيم في آيات كثيرة جداً، وخصوصاً في سورَتَيْ الرَّحمن والواقِعة.

 

أما اسم الفِرْدَوْس فلم يرد إلا مرتين في القرآن،

وتعني الكلمة في اللغة الوادي الخصيب أو الرَّوضة.

وقد استخدم شاعر النبي حَسّان بن ثابت هذه الكلمة في وصف الجنة عندما أنشد قائلاً:

 

وأنَّ ثوابَ الله كلَّ مُوَحَّدٍ      جنانٌ من الفِرْدَوْسِ فيها يُخَلَّدُ (8)

 

مع العلم أن الكلمة ليست عربيّة، كما قال ابن منظور في قاموسِهِ “لسان العرب”:  

فردس : الْفِرْدَوْسُ : الْبُسْتَانُ;

قَالَ الْفَرَّاءُ : هُوَ عَرَبِيٌّ . قَالَ ابْنُ سِيدَهْ : الْفِرْدَوْسُ الْوَادِي الْخَصِيبُ عِنْدَ الْعَرَبِ كَالْبُسْتَانِ ، وَهُوَ بِلِسَانِ الرُّومِ الْبُسْتَانُ . وَالْفِرْدَوْسُ : الرَّوْضَةُ ; عَنِ السِّيرَافِيِّ .

وَالْفِرْدَوْسُ : خُضْرَةُ الْأَعْنَابِ .

قَالَ الزَّجَّاجُ : وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ الْبُسْتَانُ الَّذِي يَجْمَعُ مَا يَكُونُ فِي الْبَسَاتِينِ ، وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَ أَهْلِ كُلِّ لُغَةٍ . وَالْفِرْدَوْسُ : حَدِيقَةٌ فِي الْجَنَّةِ .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ : الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ قَالَ الزَّجَّاجُ : رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ لِكُلِّ امْرِئٍ فِي الْجَنَّةِ بَيْتًا ، وَفِي النَّارِ بَيْتًا ، فَمَنْ عَمِلَ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَرِثَ بَيْتَهُ ، وَمَنْ عَمِلَ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَرِثَ بَيْتَهُ ; وَالْفِرْدَوْسُ أَصْلُهُ رُومِيٌّ عُرِّبَ ،. (9)

وقد اختلف الرُّواة ومفسرو القرآن في تحديد دلالة كلمة الفردوس، ومما قالوه نذكر ما يلي فيما أورده القرطبي في تفسيره لـ (سورة الكهف 107:18 ) : ” إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ” .

قال القرطبي فى تفسير للنص :

قَالَ قَتَادَةُ :

الجنة في الإسلام (1) جنة اليوم الآخرالْفِرْدَوْسُ رَبْوَةُ الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا وَأَعْلَاهَا وَأَفْضَلُهَا وَأَرْفَعُهَا

وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ :

الْفِرْدَوْسُ سُرَّةُ الْجَنَّةِ .

وَقَالَ كَعْبٌ :

لَيْسَ فِي الْجِنَانِ جَنَّةٌ أَعْلَى مِنْ جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ ; فِيهَا الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ .

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا

قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُبَشِّرَ النَّاسَ ؟

قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ – تَعَالَى – فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ – أَرَاهُ قَالَ – وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ .

وَقَالَ مُجَاهِدٌ :

وَالْفِرْدَوْسُ الْبُسْتَانُ بِالرُّومِيَّةِ .

الْفَرَّاءُ : هُوَ عَرَبِيٌّ .

وَالْفِرْدَوْسُ حَدِيقَةٌ فِي الْجَنَّةِ . وَفِرْدَوْسُ اسْمُ رَوْضَةٍ دُونَ الْيَمَامَةِ . وَالْجَمْعُ فَرَادِيسُ ،

قَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيُّ :

كَانَتْ مَنَازِلُهُمْ إِذْ ذَاكَ ظَاهِرَةٌ فِيهَا      الْفَرَادِيسُ وَالْفُومَانُ وَالْبَصَلُ

 

وَالْفَرَادِيسُ مَوْضِعٌ بِالشَّامِ . وَكَرْمٌ مُفَرْدَسٌ أَيْ مُعَرَّشٌ .(10)

 بناء على هذه الأقوال والأوصاف والتّعاريف الّتي ذكرها رواة الحديث والمفسّرون، يحق لنا أن نطرح الأسئلة التّالية :

 

هل الفردوس هو الجنّة نفسها؟

أم مكان في الجنّة؟

أم جنّة قائمة بذاتها؟

هل الفردوس سُرّةَ الجنة أم ربوة الجنة أم حديقة في الجنة؟

 هل كلمة الفردوس عربية أم روميّة أم فارسية أم حبشية؟

هل الفراديس موضع بالشام ؟

هل فى الفراديس بصل ؟

هل تُفَجِّرُ أنهار الجنة من الفردوس؟

أم أن هذه الأنهار تنبع من البحار الموجودة في الجنة؟

فقد أورد ابن كثير في تفسيره لـ (سورة محمد 15:4):

مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ

فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ

وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ

وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ

وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى

وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ

وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ

وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ” ..

عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ :

فِي الْجَنَّةِ بَحْرُ اللَّبَنِ ، وَبَحْرُ الْمَاءِ ، وَبَحْرُ الْعَسَلِ ، وَبَحْرُ الْخَمْرِ ، ثُمَّ تَشَقَّقُ الْأَنْهَارُ مِنْهَا بَعْدُ ” .

ويضيف ابن كثير قائلاً عن هذا الحديث:

” وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي ” صِفَةِ الْجَنَّةِ ” ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ بِهِ وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ . “. (11)

 

ومما سبق نلاحظ آختلاف المفسرين حول تأويل الفراديس والجنات وأنهارها ..

 

الجنة في الإسلام (1) جنة اليوم الآخرعدد الجنّات في القرآن:

يعلن لنا القرآن عن وجود عدد وافرٍ من الجنّاتِ التي أعدها الله للمتقين، وليس فقط جنة واحدة، حيث استخدم كلمة “جناتٍ” في تسعٍ وستين (69) نص قرآني . ونجد في القرآن إشارة إلى عدد هذه الجنّات، حيث قال كاتب القرآن في (سورة الرحمن 46:55):

ولمن خافَ مقامَ ربِّهِ جنَّتان

ويضيف في النص 62

وَمِن دونهما جنَّتان” مما يعني أن عدد الجنّات هو أربعة، كما هو واضح من ظاهر النَّص، ولكننا نُفاجأ بما قاله الرواة والمفسرين حول هذه الجنَّات الأَربعة، ومما قالوه نذكر ما يلي :

مناسبة التّنزيل: اختلفوا في مناسبة تنزيل “ولمن خاف مقام ربه جنّتان”، قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ . (12) ومعنى هذا القول أن هذه الجنات الأربعة هي فقط لأبي بكر الصديق، ولا يشاركه أحد فيهما.

وفي رواية ثانية: وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ فِي قَوْلِهِ : ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) : نَزَلَتْ فِي الَّذِي قَالَ : أَحْرِقُونِي بِالنَّارِ، لَعَلِّي أُضِلُّ اللَّهَ، قَالَ : تَابَ يَوْمًا وَلَيْلَةً بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ بِهَذَا، فَقَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ “. (13)

وعليه: إن كانت هذه هي المناسبة الصحيحة لنزول الآية، فإنها تعني أنَّ هذا الشخص هو الَّذي له الجنات الأربعة، ولا تُسْتَحَقُّ لغيرِهِ .

 

قال ابن كثير في تفسير نص (سورة الرحمن 46:55 ) : “وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ ” . (14)

أي أن الجنات الأربعة هي لكل الأتقياء وبدون استثناء.

وقال القرطبي في تفسيره :

جَنَّتَانِ [ ص: 161 ] أَيْ لِمَنْ خَافَ جَنَّتَانِ عَلَى حِدَةٍ ، فَلِكُلِّ خَائِفٍ جَنَّتَانِ . وَقِيلَ : جَنَّتَانِ لِجَمِيعِ الْخَائِفِينَ ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ .

أي أن القرطبي فسّر ما جاء في القرآن بالقول أن لكل شخص يخاف الله يوجد أربع جنان. وبذلك فأن مجموع عدد الجنات هو بالملايين أو المليارات العديدة جداً حتى يحصل كل خائف لله على أربعة جنات خاصة به.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ : إِنَّمَا هِيَ جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ ، فَثَنَّى لِرُءُوسِ الْآيِ .

وَأَنْكَرَ الْقُتَبِيُّ هَذَا وَقَالَ : لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ خَزَنَةُ النَّارِ عِشْرُونَ إِنَّمَا قَالَ تِسْعَةَ عَشَرَ لِمُرَاعَاةِ رُءُوسِ الْآيِ .

وَأَيْضًا قَالَ : ذَوَاتَا أَفْنَانٍ .

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ : قَالَ الْفَرَّاءُ قَدْ تَكُونُ جَنَّةً فَتُثَنَّى فِي الشِّعْرِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَعْظَمِ الْغَلَطِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : جَنَّتَانِ وَيَصِفُهُمَا بِقَوْلِهِ : فِيهِمَا فَيَدَعُ الظَّاهِرَ وَيَقُولُ : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جَنَّةً وَيَحْتَجُّ بِالشِّعْرِ !

وَقِيلَ : إِنَّمَا كَانَتَا اثْنَتَيْنِ لِيُضَاعَفَ لَهُ السُّرُورَ بِالتَّنَقُّلِ مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ . (15)

وهذا القول من أعظم الغلط على كتاب الله عز وجل، يقول الله عز وجل: “جنّتان” ويصفها بقوله: “فيهما” فيدع الظاهر ويقول: يجوز أن تكون جنة ويحتج بالشِّعر!.

الجنة في الإسلام (1) جنة اليوم الآخروتدل هذه الأقوال التي أوردها القرطبي في تفسيره لـ (سورة الرحمن 46:55) على أنه قد وُجد بين أوائل المسلمين من تجرّأ ووصف أسلوب القرآن بالشِّعر وقال بوجود جنَّةٍ واحدة، ولكن الأغلبية بين الرواة والمفسرين رفضوا هذا الكلام الذي اعتبروه طعناً في القرآن، وقالوا بوجود ملايين (مليارات) الجنات، بحيث تقسّم أربعة أربعة لكل مُؤمن.

تجدر الإشارة هُنا إلى الحديث محمد ذكره ابن كثير مّرَّتين في سياق تفسيره لما ورد في (سورة الرحمن 46:55)وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ”، حيث كتب قائلاً:

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبَانٍ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، أَخْبَرَنِي أَبُو الدَّرْدَاءِ ;

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَرَأَ يَوْمًا هَذِهِ الْآيَةَ : (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)،

فَقُلْتُ : وَإِنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ ؟

فَقَالَ : (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)،

فَقُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟

فَقَالَ : (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ).

فَقُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟

فَقَالَ : ” وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي الدَّرْدَاءِ “.(16)

وهكذا نجد أن محمد يستخف بحياة القداسة والفضيلة والتدقيق والأخلاق العالية. بل أنه يشجع حياة الرذيلة والفساد والانحطاط في مثل هذا القول الجزاف عن دخول الزُّناة واللصوص في الجنّة.

بعكس ذلك نقرأ الكلمات المجيدة في الإنجيل المقدس: “وأما الخائفون وغيرُ المؤمنين والرَّجسون والقاتلونَ والزناةُ والسَّحرةُ وعبدةُ الأوثانِ وجميع الكذبَةِ فنصيبُهُم في البحيرة المتقدةٍ بنارٍ وكبريتٍ، الذي هو الموتُ الثاني” (سفرالرؤيا 8:21).

 

من الذي يستحق الجنّة:

يقدم لنا القرآن ثلاثة أجوبة مختلفة على هذا السؤال المصيري:

  1. لا أحد يستحق الجنة:

إنّما هي فضل من الله على العالمين. ففي ثلاثةٍ وثمانين (83) آية قرآنيّة نقرأ كيف أنّ الله بفضلِهِ يرحم النّاس ويرزقهم ويدخلهم الجنّة، ومن الأمثلة على ذلك نقرأ ما جاء في (سورة النّساء 175:4):

“فأَمّا الَّذين آمنوا باللهِ واعتصموا به فسيُدْخلُهُم في رحمة منه وفضلٍ ويَهْدِيهُم إِليه صُراطاً مُستقيماً”

وهكذا لا يُدْخِل الله المؤمنين إلى الجنة مكافأةً لهم بل بسبب رحمته وفضلِهِ عليهم.

كذلك نقرأ في (سورة النور 14:24) قوله:

“ولولا فضلُ اللهِ عليَكمُ ورحمَتُهُ في الدُّنيا والآخرةِ لَمَسَّكم في ما أَفَضْتُم فيهِ عذابٌ عظيمٌ” فالنّجاة من العذاب تأتي من فضل الله ورحمته، وذلك لأنَّ “الله ذو الفضل العظيم” (سورة الحديد 21:57).

ويقول القرآن عن موقف النّاس من فضل الله في أكثر من موقع :

“وإِنَّ ربُّك لذو فضلٍ على النّاس ولكن أَكثرهم لا يشكُرون” (سورة النمل 73:27).

وثبت في الصحيحين أنّ النبي محمد قال:

“عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَارِبُوا وَسَدِّدُوا وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْتَ قَالَ وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ ” (رواه مسلم  والبخاري). (17) و (18)

 

  1. يدخل الجنّة فقط الأشخاص الّذين خلقهم الله ليكونوا أهلاً لها:

أي أنَّ دخول الجنّة محكوم بقضاء الله وقدره، كما يؤكّد على ذلك آيات القرآن وأحاديث نبي الإسلام. فالله هو الّذي يهدي من يشاء إلى الإيمان ويدخلهم الجنّة. بل إِنَّ الله، بحسب العقيدة الإسلاميّة، يكتب للإنسان الجنّة أو النّار حتى قبل أن يخلقه وعلى سبيل المثال لا الحصر، قال بن كثير فى تفسيره ( سورة الأعراف 7  : 30):

فَرِيقًا هَدَى

وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ

إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ

وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ“.

“وَقَالَ وِقَاءُ بْنُ إِيَاسٍ أَبُو يَزِيدَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ:

كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُون  

قَالَ : يُبْعَثُ الْمُسْلِمُ مُسْلِمًا،

وَالْكَافِرُ كَافِرًا .

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ :

مَنِ ابْتَدَأَ اللَّهُ خَلْقَهُ عَلَى الشَّقَاوَةِ صَارَ إِلَى مَا ابْتُدِئَ عَلَيْهِ خَلْقُهُ،

وَإِنْ عَمِلَ بِأَعْمَالِ أَهْلِ السَّعَادَةِ ،

كَمَا أَنَّ إِبْلِيسَ عَمِلَ بِأَعْمَالِ أَهْلِ السَّعَادَةِ ،

ثُمَّ صَارَ إِلَى مَا ابْتُدِئَ عَلَيْهِ خَلْقُهُ .

وَمَنِ ابْتُدِئَ خَلْقُهُ عَلَى السَّعَادَةِ ، صَارَ إِلَى مَا ابْتُدِئَ خَلْقُهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ عَمِلَ بِأَعْمَالِ أَهَّلِ الشَّقَاءِ،

كَمَا أَنَّ السَّحَرَةَ عَمِلَتْ بِأَعْمَالِ أَهْلِ الشَّقَاءِ،

ثُمَّ صَارُوا إِلَى مَا ابْتُدِئُوا عَلَيْهِ .

الجنة في الإسلام (1) جنة اليوم الآخروَقَالَ السُّدِّيُّ” : كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ “

يَقُولُ :كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ  كَمَا خَلَقْنَاكُمْ ،

فَرِيقٌ مُهْتَدُونَ وَفَرِيقٌ ضُلَّالٌ ، كَذَلِكَ تَعُودُونَ وَتُخْرَجُونَ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ:

كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ  قَالَ:

إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ خَلْقَ ابْنِ آدَمَ مُؤْمِنًا وَكَافِرًا،

كَمَا قَالَ تَعَالَى”: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ” (سورة التَّغَابُنِ 64 : 2)

ثُمَّ يُعِيدُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا بَدَأَهُمْ مُؤْمِنًا وَكَافِرًا.

قُلْتُ : وَيَتَأَيَّدُ هَذَا الْقَوْلُ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ:

فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ ، إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا بَاعٌ – أَوْ : ذِرَاعٌ – فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، فَيَدْخُلُهَا ،

وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لِيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا بَاعٌ – أَوْ : ذِرَاعٌ – فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ،فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ

وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

إِنَّ الْعَبْدَ لِيَعْمَلُ – فِيمَا يَرَى النَّاسُ – بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ . وَإِنَّهُ لِيَعْمَلُ – فِيمَا يَرَى النَّاسُ – بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ

هَذَا قِطْعَةٌ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرَّفٍ الْمَدَنِيِّ ، فِي قِصَّةِ ” قُزْمَانَ ” يَوْمَ أُحُدٍ”. (19)

 

  1. يدخلُ الجنّة كلُّ مَنْ آمن وعملِ صالحاً:

حيث يؤكّد كاتب القرآن على أنَّ المؤمنين الّذين يأتون بالأعمال الحسنةِ والصّالحة سيدخلون الجنّة. ففي عدد ضخمٍ من نصوص القرآن “أكثر من 100 مئة آية” يربط القرآن دخول الجنّة بالقيام بالأعمال الصَّالحة مثل الصّوم والصّلاة والزّكاة والحج ومساعدة الفقراء والأيتام وطاعة الوالدين وإيتاء ذي القربى والجهاد في سبيل الله والدّعوة إلى الإسلام، وغيرها من الأعمال الصَّالحة وعلى سبيل المثال لا الحصر :

(سورة النّساء 124:4):

“ومن يعمل مِنَ الصّالحاتِ من ذكرٍ أو أنثى وهو مُؤْمِنٌ فأولئكَ يدخلونَ الجنّة ولا يظلمونَ نقيراً”.

(سورة  طه 76:20):  

“جَنَّاتُ عَدْنٍ تجري من تحتها الأَنهارُ خالدينَ فيها وذلك جزاء من تزكَّى”.

(سورة الفتح 17:48):

“ومن يُطِعِ اللهَ ورسولَهُ يُدْخِلْهُ جنَّاتٍ تجري من تحتها الأَنهارُ…”.

(سورة النّازعات 40:79-41):

“وأَمّا من خاف مقامَ ربِّهِ ونهى النّفسَ عن الهوى فإنَّ الجنَّة هي المأوى”.

(سورة الإنفطار 13:82):

“إِنَّ الأَبرار لَفي نعيمٍ”.

 

 تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ جميع علماء التأويل وتفسير القرآن من المُسلمين يشيرون فقط إلى الأعمال الصّالحة كالأساس الوحيد لدخول الجنّة، دون الإشارة إلى فضل الله وقضاءه وقدره، ولا غرابة في ما يعملونه أبداً وذلك للأسباب التالية:

إن القول بدخول الجنة هو فضلٌ من الله يجعل المسلمون يقتربون كثيراً من عقيدة الفداء المسيحية. ففي الإنجيل المقدس يعلمنا الله أن دخول السَّماء والحصول على الحياة الأبدية هو عطية مجانية أساسها نعمة الله الذي كفَّر عن خطايا العالم بواسطة دم المسيح الذي مات على الصليب. أي أن المسيح دفع ثمن خطايا العالم وأعطاهم الحق أن يدخلوا السَّماء باستحقاقاته هو وليس باستحقاقاتهم.

يتحاشى المسلمون أيضاً القول بأن دخول السَّماء يعتمد على قضاء الله وقدره، مع أن القدر هو الركن السادس في إيمان المسلمين، لأن ذلك يناقض تعاليم القرآن الكثيرة عن دخول السَّماء بناءً على الأعمال الصالحة وزيادة عدد الحسناتِ على عدد السَّيئات. ولذلك يكتفي علماء المسلمين في التنَّبير على الحسنات والأعمال الصالحة لدخول الجنّةِ. وهذا ما عمله الغزالي وسيد قطب والطبري والشيخ محمود جوده وسعيد حوى وغيرهم العشرات، بل المئات من الكُتّاب المسلمين.

وإلى اللقاء فى المقال الثاني:

وصف الجنة فى الإسلام

___________________________________________________  

  1. صحيح مُسلم – مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري – كتاب الإيمان – باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان والإيمان بالقدر – الجزء الأول – ص : 36 – دار إحياء الكتب العربية .

  2. (سورة ال عمران 3 :  106 ).

 

  1. تفسير ابن كثير –  إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي – تفسير القرآن العظيم – تفسير سورة آل عمران» تفسير قوله تعالى ” ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ” الجزء الثاني – ص : 92 – دار طيبة – سنة النشر: 1422هـ / 2002م

 

  1. الكتاب : إحياء علوم الدين – المؤلف : محمد بن محمد الغزالي أبو حامد – الناشر : دار االمعرفة – بيروت – عدد الأجزاء : 4 .                      

 

  1. تفسير القرطبي – محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي  – الجامع لأحكام القرآن –  سورة مريم –  قوله تعالى ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا – الجزء الحادي عشر – ص : 60 – دار الفكر .   

 

  1. معنى (الجنة) لغة واصطلاحا – رقم الفتوى: 95888 . http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=95888

 

  1. (انظر تكوين 2: 8 ، 15 ؛ 23:3-24) .

 

  1. أنظر لسان العرب – أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ( ابن منظور) –حرف الفاء» فردس –  دار صادر – سنة النشر: 2003م .  

 

  1. أنظر المصدر السابق .

 

  1. أنظر الجامع لأحكام القرآن – تفسير القرطبي – محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي – سورة الكهف –  قوله تعالى : وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ – الجزء العاشر –  ص: 438  –  دار الفكر .     

 

  1. أنطر تفسير بن كثير – إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي – تفسير القرآن العظيم – تفسير سورة القتال –  تفسير قوله تعالى “أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ”  – الجزء السابع  – ص : 313 – دار طيبة – سنة النشر: 1422هـ / 2002م .

 

  1. أنطر تفسير بن كثير – إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي – تفسير القرآن العظيم – تفسير سورة الرحمن –  تفسير قوله تعالى “وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ( 46 ) ”  – الجزء السابع  – ص : 501 – دار طيبة – سنة النشر: 1422هـ / 2002م .       

 

  1. نفس المصدر السابق .

 

  1. نفس المصدر السابق .

 

  1. تفسير القرطبي – محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي  – الجامع لأحكام القرآن –  سورة الرحمن –  قَوْلُهُ تَعَالَى : وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ – الجزء السابع عشر – ص : 161 – دار الفكر .   

  1. أنطر تفسير بن كثير – إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي – تفسير القرآن العظيم – تفسير سورة الرحمن –  تفسير قوله تعالى ” وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ( 46 ) ”  – الجزء السابع  – ص : 501 – دار طيبة – سنة النشر: 1422هـ / 2002م .   

  1. صحيح مُسلم –  مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري – كتاب صفة القيامة والجنة والنار–  باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى – الجزء الرابع – الحديث رقم  5041 / 2816 – ص : 2171 –  دار إحياء الكتب العربية .  

 

  1. صحيح البخاري – محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي – كتاب الرقاق» باب القصد والمداومة على العمل – الحديث رقم 6098 –  دار ابن كثير – سنة النشر: 1414هـ / 1993م .    

  1. تفسير ابن كثير –  إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي – تفسير القرآن العظيم – تفسير سورة الأعراف» تفسير قوله تعالى ” وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا ” – الجزء الثالث  – ص : 403 – دار طيبة – سنة النشر: 1422هـ / 2002م .       

 

أقرأ المزيد:

17 – أعتقاد المُسلم فى أن إله الكتاب المقدس هو الذى يضل العباد بل ويرسل عليهم روح الضلال !

16 – الأشرار يضلون أنفسهم وغيرهم من الناس !

14 – إله الإسلام يعلم الضالون من المهتدين !!

13 – من أتبع هدى إله الإسلام لا يشقى !

12 – حينما يضرب إله الإسلام أمثاله لا يضربها إلا ليضل بها الفاسقين !

11 – إله الإسلام مسئول عن ضلال أعمال العباد وأحباطها !

10 –إله الإسلام يفتتن العباد ليضلهم !

9 – من أحب إلهه أضله إله الإسلام !

8 – إله الإسلام لا يزيد الظالمين إلا ضلالة وأضلال !

7 – من أهتدى فقد أهتدى لنفسه

6 –إله الإسلام يتحدى قُدرة أى أحد على هداية من أضلله !

5 – يمكن لإله الإسلام أن يضلل أى مؤمن بعد هدايته !

4 – من يضلله إله الإسلام فلا هاد له !!

3 – إله الإسلام خلق الضال ضالاً !!

2 – القرآن يقول أن إله الإسلام مُضل ويَضل العباد

1 –المضل الذى يضل العباد

Sakr EL Majid

رئيس تحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى