تامر باجن أوغلو – 1 – حقوق أهل الذمة في الفقه الإسلامي

حقوق أهل الذمة في الفقه الإسلامي
تامر باجن أوغلو
قبل أن أبدأ بمعالجة موضوعي أحب أن أوضح أنني أتناول هنا مكانة أهل الذمة في الفقه الإسلامي بمصادرها الأربعة من جهة? وظواهر تطبيق تلك القواعد والمبادئ الواردة في تلك المصادر على ساحة الواقع من جهة أخرى. علينا ألا ننسى أن ما نشاهده على ساحة الواقع قد يكون مختلفاً كل الاختلاف عما تنص عليه مصادر الإسلام، وذلك تارة لصالح أهل الذمة وأخرى بالعكس. عندما أَستعمل كلمة الشريعة أقصد بها مصادر الفقه الإسلامي، أي القرآن والسنّة والإجماع والقياس. بعبارة أخرى ما ورد في مصادر الفقه في القضايا الحقوقية مما أورده الفقهاء في ضوء تلك المصادر. فإذاً سأحاول أن أبيّن لكم وضع أهل الذمة في الفقه الإسلامي والشريعة الإسلامية كموضوع قانوني بحت.
إذا خطر على بال أحدكم السؤال عن نفع وغرض هذا الموضوع، فيجيب عنه الأستاذ عبد الكريم زيدان في مقدمة مؤلفه أحكام الذميين والمستأمنين قائلاً: فإن الشريعة الإسلامية إذا كانت بالنسبة للمسلمين ديناً وقانوناً، فهي بالنسبة لغير المسلمين قانون ما داموا يعيشون في دار الإسلام، فمن الخير لهؤلاء أن يحيطوا بهذه الأحكام فيعرفوا هذا الجانب من جوانب التشريع الإسلامي . فلدينا مصطلح آخر: دار الإسلام. ولكي نستطيع أن نوضح الأمور يترتب علينا تفسير عدد من المصطلحات الأساسية التي تساعدنا في فهم الإسلام كعقيدة جامعة لها وجهات نظر خاصة بها. إن تلك المصطلحات التي لها أهمية كبرى ونحن بصدد حقوق أهل الذمة: دار الإسلام ودار الحرب وساكنوها، والأمان أو العهد، والجهاد.
دار الحرب ودار الإسلام
يقول القرآن: ” فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31) ” (سورة الجاثية 45 : 30 – 31).
إن النظرية الإسلامية الكلاسيكية للنظم الإجتماعية (أمثال الشافعي) تقسم العالم لقسمين. دار الإسلام ودار غير المسلمين والتي تسمَّى حسب الظروف بدار الحرب. أما وقت السلم الذي تحدد شروطه من خلال عهد تسمَّى بدار العهد أو دار الصلح.
أولاً دار الإسلام:
كل بلد يعتنق أهله الإسلام ويتبع شرعه، يعتبر دار الإسلام. أما الأمور الفرعية التي تجعل بلداً ما دار الإسلام فليس هناك اتفاق بين الفقهاء. فيقول عبد القاهر البغدادي إن بلداً يؤمن أهله بالإسلام ويطبق أوامره ونواهيه يعود لدار الإسلام. والشرط الثاني عند البغدادي هو أن يشكّل المسلمون فيه الأكثرية الساحقة من سكان البلد، مما يعني أن الباقين تابعون لحكم الأكثرية. أما غير المسلمين فيحتمون بحماية الدولة التي نسميها الذمة . وهناك فقهاء آخرون يرون أنه يكفي أن يكون بوسع المسلمين القيام بواجباتهم الدينية لتسمية البلد دار الإسلام. إذا تمكن المسلمون من القيام بصلاة الجمعة بحريّة يُعتبر معياراً لكون البلد دار الإسلام أو دار الحرب. يقول الأحناف إن اعتبار أرض دار الإسلام ينتهي عند وقوع واحد من الأحوال التالية:
1- سيطرة التشريع الغير الإسلامي. عدم معاقبة الجرائم مثل الزنى والربا وشرب المسكرات.
2- تواجد بلد غير إسلامي حائل بين بلدين إسلاميين.
3- منع المسلمين من الإقامة فيه أو عدم إعطائهم الأمان.
غير أنه إذا رأى المسلمون أنه لم تحدث الحالات الوارد ذكرها في كتب الأحناف، وأنه بإمكان المسلمين القيام بواجباتهم الدينية بكل حرية، فالبلد يُعتبر دار الإسلام عندئذ، وإن لم يُطبَّق فيه شرع الإسلام.
هذا يعني أن المقياس في وصف أرض بدار الإسلام أو دار الحرب هو الشرع الإسلامي. فإن كانت الشريعة الإسلامية تُتبع وتُطبق من الدولة أو سكانها المسلمين بحرية، فالأرض إذاً دار الإسلام نظرياً. إلا أن بعض الفقهاء يقولون إنه من الضروري أن يكون وليُّ الأمر مسلماً. ذهب البعض إلى أن الأرض تُسمى دار الإسلام إن كان القاضي مسلماً، أو تم انتخابه من قِبل المسلمين، وإن كان بمستطاع المسلم القيام بواجباته الدينية. هذا ما وصل إليه الفقهاء في الهند تحت الحكم البريطاني.
يقول الإمام القاساني: سمّى أبو حنيفة موضعاً دار الإسلام حيث يجرى الناس على الشرع الإسلامي في معظم أحوالهم. أما بلاد الأعداء فهو يقدم بشأنها أحكاماً واضحة. إن بلداً لم يأمن فيه المسلم يعتبر دار الأعداء أو دار الحرب، ولو كان المسلمون يشكلون أغلبية سكانه.
دار الحرب:
وهي الأرض التي لا سلطان للمسلمين عليها، وفي هذا تقول الزيدية: وأعلم أن دار الحرب هي الدار التي شَوْكتها لأهل الكفر والذمة من المسلمين عليهم. وعند بعض الفقهاء: هي الدار التي تجري عليها أحكام الإسلام، ولا يأمن من فيها بأمان المسلمين. أو هي الدار التي لا سلطان علينا ولا نفوذ لأحكامه فيها بقوة الإسلام ومنعته، وأهل دار الحرب هو الحربيون. والحربي لا عصمة له في نفسه ولا في ماله بالنسبة لأهل دار الإسلام. لأن العصمة في الشريعة الإسلامية تكون بأحد الأمرين: الإيمان أو الأمان، وليس للحربي واحد منهما.
الأمان والجهاد:
الجهاد في الفقه الإسلامي فرض على الكفاية، أو فرض الكفاية الذي يُرفع عند قيام بعض المسلمين به عن الجميع. والجهاد تجب تأديته كل سنة مما يعني وجود حالة الحرب الدائمة بين دار الإسلام ودار الحرب التي يجوز إيقافها بمهادنة تستمر عشر سنوات على أعلى تقدير. غير أن مهادنة مثل هذه يجوز عقدها فقط إن كان المسلمون أقلية، أو غير قادرين على تذليل الأعداء، أو بحاجة إلى وقت لإعداد قوى ضاربة، أو إذا اقتضت ذلك مصلحة من مصالح المسلمين.
فالأمان إذاً باب من أبواب الجهاد؟ وأصله قول القرآن: ” وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) ” (سورة التوبة 9 : 6).
أما شروط الأمان فهي:
أن يكون المسلمون ضعافاً والأعداء أقوياء وذلك لكون قتال الأعداء فرضاً. بينما يحوي الأمان على تحريم القتال. ويقول الغزالي تحت باب الكف عن القتل والقتال بالأمان: إن الأمان خدعة من خدع الحرب (الوسيط). مما يفسر سبب معالجة هذا البحث عادة في كتاب الجهاد أو السير عند الفقهاء. وإن كان الأمان انقطاع الجهاد فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: من الذي يقرر إذا ما وجدت مصلحة فوجب إعطاء الأمان، أو كما يقول الفقهاء أمان من يجوز.
الجواب: كل مسلم بل أدناهم بمقدوره إعطاء الأمان. هناك خلاف بين الفقهاء حول عدد أهل الحرب الذين يمكن أن يمنح لهم الأمان من قبل مسلم أو مسلمين. يجوز للمسلم إعطاء الأمان فقط بإذن أمير الجهاد أو الإمام عند الشيعة. أما إعطاء الأمان فيتم إما قولاً أو تحريرياً أو إشارة توهم القصد. بينما على الحربي أن يظهر موافقته على ذلك.
والعبارات التي يمكن اللفظ بها هي مثل: لا تخف، أو لا سبيل عليك، أو لا بأس عليك، أو آمنتك، أو أجرتك أو أنت آمن، أو أنت في أمان، أو أنت في ذمة الإسلام، أو تعال. كما يجوز استعمال لغات أجنبية مثل الفارسية أو اليونانية أو النبطية مثل: مترس (لا تخف) أو رومترس: اذهب دون أن تخاف، أو بعُزْ مترس: اطلب النعمة ولا تخف!
إذا قيل افتحوا الباب وأنتم آمنون فالأمان يدخل مع فتح الباب في حيز التنفيذ. أما إذا قيل افتحوا الباب فأنتم آمنون، فالأمان ساري المفعول قبل فتح الباب. أما ما يتعلق بمنح الأمان بالإشارة فالمقصود هو تحريك اليد مما يوميء قبول أو تبني المرء في المأمن.
لا يجوز أن يستغرق الأمان أكثر من سنة. إن غير المسلم الذي يريد الإقامة في دار الإسلام أكثر (أطول من سنة) عليه دفع الضرائب القائمة لغير المسلمين المقيمين في دار الإسلام. ويعتبر مع الوقت من أهل الذمة. مدة الأمان قد تستغرق عشر سنوات عند الحنابلة? وهي بنفس الوقت أقصى مدة لانقطاع الجهاد أو عقد المهادنة.
يُرفع الأمان إما لدى انقضاء مهلته، أو مغادرة دار الإسلام. وللإمام أو خليفته أن ينهي الأمان في أي وقت إذا تبين من نوايا سيئة عند المستأمَن، أو إذا رأى أن إقامته في دار الإسلام تشكل خطراً لمصالح المسلمين. انقضاء مهلة الأمان تأتي من ورائه نتائج فقهية. فإذا غادر المستأمَن دار الإسلام تاركاً فيها أموالاً أو عقاراً، فلا يحق لورثته الانتفاع بها. لأن التركة تصادرها الدولة الإسلامية. وحق التوارث يبقى قائماً إذا مات المستأمَن في دار الإسلام، مما يعني إضفاء الضمان على أمواله أيضاً.
أما الذي يدخل دار الإسلام بدون أمان فلا يتمتع بحماية القانون أبداً. للمرء أن يقتله أو يستعبده أو يغتصب أمواله، لأن سلوك المسلم تجاه الأجنبي ليس بموضوع الفقه أبداً. فهو كما يقول الفقهاء مباح، ولا يمكن أن تزول إباحته إلا بالأمان الذي يجعل نفسه وأمواله حراماً على المسلمين. بينما يجوز قتل الأجنبي المسافر بدون أمان أو استعباده، وملكه فيء . وإن دخل الأجنبي دار الإسلام سهواً أو ضرورة مثل غرق سفينة (أو سقوط طائرة) فللحاكم الإسلامي أن يقرر بحقه ما يشاء. إن أراد يطلق سراحه أو يستعبده أو يعدمه.
بعد أن عالجنا القضايا المتعلقة بدار الإسلام والحرب والأمان، علينا أن نذكر شيئاً عن الجهاد بإيجاز قبل أن ندخل في موضوعنا الأساسي. فيمكن اعتبار الجهاد أهم نقطة نأخذها بعين الاعتبار في كل باب من أبواب بحثنا. إذ هو الذي يطبع طبيعة العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين في الحرب والسلم.
والجهاد كما ذكرتُ سابقاً فرض كفاية على المسلمين كافة، وكاد أن يكون ركناً سادساً من أركان الدين، أو فرض عين. إن التطور التدريجي الذي نلاحظه في تقرير الجهاد كواجب يطلعنا على أن صاحب القرآن أبدى استعداده في البداية للتعايش السلمي يوم كان أتباعه ضعفاء، الأمر الذي أدى إلى نزول آيات (مكية) يدعو محمد أصحابه فيها إلى الصبر على العدوان. ولكن الأمر تغيّر عندما استولى محمد في المدينة على نفوذ وتمكن من جمع القبائل حوله، فنزلت أولاً الرخصة لردّ العدوان، تلتها الآية الآمرة بقتال المشركين من أهل مكة (أي أعداء محمد) وإخضاعهم.
إن الجهاد شأنه شأن معظم القضايا الفقهية فكرة تطورت على مدى الأجيال. وما نقوله هنا عنه هو ما ذهب إليه الفقهاء ابتداءً من الفتوح الإسلامية، فقالوا إن الجهاد فرض كفاية على كل مسلم حر بالغ صحيح العقل والجسم – أي كل مسلم توفرت له أسباب بلوغ جيش المجاهدين. على المسلمين مواصلة الجهاد إلى أن يدخل الناس كافة في حكم الإسلام، ويكون الدين كله لله (سورة البقرة 2 : 193).
ومن الضروري أن يتولى الجهاد أو يقوم عليه حاكم مسلم أو إمام، ولما كان امام الشيعة مستتراً فلا جهاد لهم حتى يظهر. هذا يفسر لماذا سمّى إيران الحرب التي قام بها ضد العراق بالحرب المفروضة (الحرب المحملة) وليست جهاداً. فحربهم حرب دفاع فقط سواء كانت ضد العراق أو الولايات المتحدة. إن الخميني هو الوحيد الذي تجرأ على تسمية الكفاح المسلح الذي قام به الشعب الإيراني ضد حكم الشاه جهاداً. هذه كانت أحدوثة بالنسبة للفقه الشيعي.
إن شرط الجهاد يتم أداؤه إذا قام الإمام بغزوة مرة كل عام. والبعض يقول يكفي لتوفر شرط الجهاد أن يهيئ الإمام جيش الإسلام لقتال أعداء الإسلام. ومن الضروري إعلام العدو بأن جيش الإسلام يقصد قتالهم. فيدعون إلى اعتناق الإسلام، فإذا أبوا فهم مخيَّرون بين القتال وبين الدخول في حكم الإسلام وهم صاغرون (سورة التوبة 9 : 29). فيؤدون الجزية والخراج ويؤمنون على حياتهم وذويهم وأموالهم، ولكنهم يكونون دون المسلمين مرتبة.
والأمة يجب عليها القيام بالجهاد ضد الفرق التالية حسب الأولوية:
1- ضد المرتدين أو أهل الردة.
2- ضد العصاة (أو البغاة).
3- ضد المشركين.
4- ضد أهل الكتاب.
أهل الذمة من هم؟
الذمة في اللغة هي العهد والأمان والضمان. وأهل الذمة هم المستوطنون في بلاد الإسلام من غير المسلمين، وسُموا بهذا الإسم لأنهم دفعوا الجزية فأمّنوا على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، وأصبحوا في ذمة المسلمين. وكانت تقاليد الإسلام تقضي بأنه إذا أراد المسلمون غزو إقليم وجب عليهم أن يطلبوا من أهله اعتناق الإسلام، فمن استجاب منهم طُبقت عليه أحكام المسلمين ومن امتنع فُرضت عليه الجزية، كقول القرآن:
” قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)“ (سورة التوبة 9 : 29).
وقد ورد في الحديث: يسعى بذمتهم أدناهم . وفسر الفقهاء ذمتهم بمعنى الأمان، وقالوا في تفسير عقد الذمة بأنه إقرار بعض الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية والالتزام بأحكام الملة. وعلى هذا يمكن القول إن عقد الذمة عقد بمقتضاه يصير غير المسلم في ذمة المسلمين أي في عهدهم وأمانهم على وجه التأييد، وله الإقامة في دار الإسلام على وجه الدوام. أما الداخلون في نطاق أهل الذمة فهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى وكذلك المجوس. وهؤلاء يجوز عقد الذمة لهم. وأما المجوس فقد ثبت جواز عقد الذمة لهم بالسنة القولية والفعلية. فقد قال محمد: سنوا بهم سنة أهل الكتاب.
أما المرتدون فلا يجوز لهم عقد الذمة إجماعاً. صرح بذلك الحنفية والمالكية. وعلّل الحنفية ذلك بعدة أدلة منها:
1- قوله تعالى: “تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ “(سورة الفتح 48 : 16). فقد قالوا أن هذه الآية نزلت في أهل الردة من بني حنيفة.
2- إن عقد الذمة في حق المرتد لا يقع وسيلة إلى الإسلام. لأن الظاهر أنه لم ينتقل عن الإسلام بعد ما عرف محاسنه? إلا لسوء فطرته. فيقع اليأس من صلاحه، فلا يكون عقد الذمة في حقه وسيلة إلى الإسلام.
3- المقصود من عقد الذمة ليس تحصيل المال بل التزام الحربي أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات. وأحكام الإسلام لازمة على المرتد، فلا يكون الغرض من عقد الذمة إلا الحصول على مال الجزية، وهذا لا يجوز! وكأن الشارح يقول إن الجزية فُرضت على غير المسلمين دفعاً لهم على اعتناق الإسلام.
4- المرتد يستحق القتل إن لم يسلم وهذا ينافي عقد الذمة الذي يفيد العصمة للذمي. أما غير الحنفية والمالكية فإنهم وإن لم يصرحوا بما صرح به الأحناف والمالكية، إلا أن أهل العلم أجمعوا على وجوب قتل المرتد. وإن اختلفوا في وجوب استنابته قبل قتله. وعقد الذمة يتنافى مع وجوب القتل، لأن الذمة تفيد العصمة لصاحبها. والمرتد يستحق القتل فلا يجوز عقد الذمة له.
أما غير أهل الكتاب والمجوس والمرتدين. فقد اختلف الفقهاء في جواز عقد الذمة. إن القول الراجح في هذا البحث كما يلي:
يجوز عقد الذمة لجميع أصناف غير المسلمين، لا فرق بين وثني عربي وغيره – وهذا مذهب الأوزاعي ومالك، وظاهر مذهب الزيدية.
هنا نريد أن ندرس الجزية وكيفية جبايتها ممن يجوز عقد الذمة له:
فرضت الشريعة الإسلامية على أهل الذمة دفع الجزية كرد فعل على عدم اعتناقهم الإسلام. يقول الماوردي إن دفع غير المسلمين الجزية كان مقابل الكف عنهم وحمايتهم وما حظوا به من حقوق كثيرة.
ولم يكن مقدار الجزية ثابتاً أو محدداً، بل اختلف حسب الزمان والمكان، فقد كانت معاهدات الصلح بين العرب والمسلمين وأهل الذمة تحدد هذا المقدار. فإن لم تحدده هذه المعاهدات فكانت العادة المتبعة فرض الجزية تبعاً لمقدار دخل كل فرد. جواباً على سؤال عن مقدار الجزية المفروضة على أهل الذمة يقول أبو عبد الله: على قدر طاقتهم. حددت شروط الصلح في معظم بلاد الشام ومصر مقدار الجزية.
جاء في كتاب الأموال لأبي عبيد: عن عمر أنه ضرب الجزية على أهل الشام على أهل الذهب أربعة دنانير وأرزاق المسلمين من الحنطة مدين وثلاثة أقساط زيت. لكل إنسان كل شهر. وعلى أهل الورق (الدنانير المضروبة) أربعين درهماً وخمسة عشر صاعاً لكل إنسان. ومن كان من أهل مصر فاردب كل شهر لكل إنسان (الأردب: 24 صاعاً والصاع 4 أمداد).
جاء في معاهدة الصلح التي عقدها عمرو بن العاص مع الروم بعد نجاحه في فتح الإسكندرية أن لأهل الذمة في مصر حرية ممارسة شعائرهم الدينية مقابل دفع دينارين كل سنة. وأعفى من الجزية النساء والأطفال والشيوخ ورجال الدين.
بعد استقرار المسلمين في الأمصار المفتوحة فكر عمر بن الخطاب في وضع نظام ثابت موحد للجزية يتبعه العمال في سائر الأمصار، ويمنع اجتهاد الولاة فجعل الجزية على الرجال على الموسر ثمانية وأربعون درهما. ولا أدري على أي أساس يدعى السيد الدكتور القرضاوي في كتابه غير المسلمين في المجتمع أن الفقراء معفون منها إعفاءً تاماً (المصدر نفسه 31). ويورد النص القرآني:
” لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا “ (سورة الطلاق 65 : 7) فهذا اجتهاد من عنده نرحب به، وإن لم يتفق مع العادة المتبعة في أخذ الجزية في تاريخ الإسلام.
فإجمالاً: ليس للجزية حد معين. إنما ترجع إلى تقدير الإمام المكلف بجمعها.
طريقة جمع الجزية وموعدها:
كانت الجزية تجمع مرة واحدة كل سنة بالشهور الهلالية. وكان يُسمح بدفع الجزية نقداً أو عيناً. وأمر عمر بن الخطاب بالتخفيف عن أهل الجزية فقال: من لم يطق الجزية فخففوا عنه، ومن عجز فأعينوه، فإنّا لا نريدهم لعام أو عامين . ذكر اليعقوبي أنه كانت تُختم رقاب أهل الذمة وقت جباية جزية الرؤوس ثم تكسر الخواتيم وتستبدل بشارة تُعلّق حول الرقبة يقدمها عامل الجزية دلالة على دفع الجزية. هناك فقهاء يذهبون إلى وجوب ختم الرقاب على الدوام. إن عمر بن الخطاب كان قد أنفذ بجمع خراج العراق فخُتمت أعناق جميع الذميين وهم مائة ألف وخمسون. وليس من الثابت تماماً أن الختم كان يتعلق بدفع الخراج.
بجانب الجزية توجد ضريبة أخرى يجب على أهل الذمة دفعها وهي الخراج. إنها ضريبة مالية تُفرض على رقبة الأرض إذا بقيت في أيديهم، ويرجع التقدير إلى الإمام أيضاً? فله أن يقاسمهم بنسبة معينة مما يخرج من الأرض كالثلث والربع مثلاً. وله أن يفرض عليهم مقداراً محدداً مكيلاً أو موزوناً بحسب ما تطيقه الأرض. كما صنع عمر في سواد العراق. وتسقط الجزية بالإسلام دون الخراج. فالذمي إذا أسلم لا يعفيه إسلامه من أداء الخراج، بل يظل عليه أيضاً. ويزيد على الذمي الباقي على ديانته الأصلية أنه يدفع العشر أو نصفه عن غلة الأرض بجوار دفع الخراج عن رقبتها (وذلك خلافاً لأبي حنيفة).
محمد وأهل الكتاب في دولة المدينة
إن بلاغ محمد في المرحلة الأولى لنبوته يذكرنا بمنهج الوعاظ المسيحيين، فهو كان يعتبر نفسه من أقرب الناس من دين النصارى، مما يفسر بعثه بعدد من أصحابه إلى بلاد الحبشة (615) وهو تدليل على الرابطة الوثنية بينه وبين النصارى، يتكلم عن أحداث تهمّ أتباع هذا الدين مثل استشهاد النصارى في نجران (78:85) أو انتصار الروم على الفرس (سورة الروم 30 : 2 – 5).
كان المسيحيون في المدينة أقلية ليست لها أهمية، بينما اليهود شكلوا جالية لها ثقلها. فحاول محمد كسب تأييدهم لأهدافه السياسية. لم يرد اليهود الاعتراف ببعثته واتهموه أنه ليس في مقدوره أن يحدثهم عما ورد في كتابهم دون أغلاط. عندما تيقن محمد أنه لا يمكن ربح اليهود إلى جانبه أعرض عنهم وبدأ من الآن فصاعداً بتطوير ما أتى به من تعاليم.
فيما يتعلق بعلاقة محمد مع المسيحيين فإنها امتازت لمدة طويلة بالإعجاب والمسامحة. لم يكن عدد المسيحيين مما يُعتد به ولم يشكلوا خطراً للإسلام. بالرغم من آيات قرآنية يهاجم فيها النصارى واليهود معاً، غير أن الصراع الدائر بين المسلمين والنصارى لم يكن حاداً إلى درجة يستحيل معها التعايش السلمي بين أتباع الديانتين. ولذا ليس من المستغرب أن يقول القرآن حتى في سورته الأخيرة:
” لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) ” (سورة المائدة 5 : 82).
غير أن محمداً تحت ضغط الأحداث السياسية غيَّر نهجه السلمي تجاه المسيحيين وتمكن في أيامه الأخيرة من السيطرة الكاملة على شبه الجزيرة. حسب رأيه لم يكن لتوجد في شبه الجزيرة ديانة أخرى إلى جانب الإسلام. بعد القضاء على اليهود كان على الأمة بذل الجهد لمنع النصارى من النشاط التبشيري أياً كان نوعه، واتخاذ تدابير لكيلا يضروا بوحدة المسلمين. إن غزوة ضد نصارى شمال شبه الجزيرة سنة 629 منيت بهزيمة شككت محمداً في ما يجب عمله. فإننا نراه من الآن حاد الأسلوب بل مهدداً. أخيراً جاء الأمر:
” قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)” (سورة التوبة 9 : 29). لكي يحقق أهدافه ويبين صرامته في هذا الأمر قام محمد نفسه بغزوة ظافرة ضد نصارى الشمال، واستولى على وادي تبوك ودومة الجندل.
إن تعامل محمد وتقريراته وأقواله وأحكامه التي تفوَّه بها بشأن الأمة الإسلامية في المدينة ونهج خلفائها هي الأساس الأهم لما قام به الفقهاء على مر الأيام من اجتهادات. إن تعامله مع المشركين واليهود والنصارى كان خاضعاً لظروف سياسية? وتغير إن جاز القول حسب هواه أو مزاجه آنذاك. فلهذا السبب يتعذر علينا أن نستنتج من تلك المعاملات المسجلة قواعد أساسية.
فيما يلي محاولة لوصف العلاقات في دولة المدينة مع اليهود:
نرى في علاقة محمد مع اليهود في المدينة أي في العلاقات القائمة بين أمته واليهود الساكنين في المدينة مراحل متعددة وأشكال تعامل مختلفة تبعاً لها.
في أول عهده في المدينة حاول محمد تأسيس حلف وحدوي بين سكانها. فنرى في نص المعاهدة المعقودة بين محمد والمسلمين من جهة، واليهود من جهة أخرى (والتي تُدعى الموادعة) أن اليهود يُعتبرون جزءاً من الأمة الإسلامية.
بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس … انه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم. إن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين. لليهود دينهم وللمسلمين دينهم (ابن هشام ج 2 ص 106 ? 107).
إلا أن الوضع السلمي بين محمد واليهود تدهور بسرعة لأسباب دينية، مثل عدم استعداد اليهود للاعتراف برسالة محمد، ولأسباب سياسية مثل التعاون بينهم وأعداء المسلمين من مشركي مكة. مما أدى إلى: نفي بني قينقاع.
نفهم مما ورد في سيرة ابن هشام بوضوح أن بني قينقاع لم يفرحوا بانتصار محمد على أعدائه في بدر. هذا الأمر اعتبره القرآن خيانة لما تم من عهد وميثاق: يحلفون بالله أنهم لمنكم لكنهم قوم يفرقون فنزلت الآية التي ترخص نقض المعاهدة أو الموادعة? إذا كان هناك خوف من أن يبادر الطرف الآخر بنقضها: ” وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) ” (سورة الأنفال 8 : 58). عدم مبالاة بني قينقاع بإنذارات محمد من جهة، والتحالف القائم بين بني قينقاع والخزرج من جهة أخرى زاد من حدة التوتر، فاتخذ حادث قتل فيه اليهود مسلماً وسيلة لمعاقبتهم. فحاصرهم رسول الله بهدف القضاء عليهم، غير أن عبد الله بن أبي بن سلول توسط فتمكن من إنقاذهم من يد محمد وأصحابه.
كان عليهم مغادرة المدينة بأهلهم. منح لهم ثلاثة أيام لتسديد معاملاتهم المالية، وبعدئذ فارقوا المدينة تاركين فيها ما لهم من سلاح وأداة.
إجلاء بني النضير:
خرج محمد إلى بني النضير يطلب في دية رجلين (قتيلين) من بني عامر اللذين قتلا للجوار الذي كان محمد عقد لهما. غير أنه لم يرد أن يتحدث إليهم، فغادر دارهم مدعياً أنهم تآمروا عليه قاصدين قتله.
كان محمد حاقداً عليهم قبل هذا الحادث لعدم تأييدهم إياه في غزوة الأحد ضد مشركي مكة. استمرت محاصرتهم 15 يوماً فأمر الرسول بقطع النخيل والتحريق فيها. فنادوه: يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها.
قال أهل التأويل: وقع في نفوس المسلمين من هذا الكلام شئ . وعندما رأى يهود بني النضير أن لا أمل لهم في البقاء في المدينة اتفقوا مع محمد على ترك المدينة تاركين سلاحهم فيها. إلا أنه سمح لهم أن يأخذوا أموالهم معهم خلافاً لما حدث مع بني قينقاع.
إهلاك بني قريظة:
لاحظ محمد أثناء غزوة الخندق أن يهود بني قريظة قدموا دعماً للمشركين ” وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) ” (سورة الأحزاب 33 : 26).
فلما كان الظهر أتى جبريل رسول الله بعمامة من إستبرق على بغلة عليها رحالة، عليها قطيفة من ديباج، فقال: أو قد وضعت السلاح يا رسول الله، قال: نعم . فقال جبريل: فما وضعت الملائكة السلاح بعد، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم. إن الله عز وجل يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة، فإني عامد إليهم مزلزل بهم . فأمر رسول الله مؤذّناً فأذن في الناس: من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا بني قريظة فحاصروهم 25 ليلة حتى جهدهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب. فقد نزلوا إلى تحكيم سعد بن معاذ بحقهم، فقال: فإني أحكم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبي الذرارى والنساء.
كان عدد الرجال الذين ضُربت أعناقهم بين 700 و900 شخص. قتلت امرأة من نسائهم وأخرى اصطفاها محمد لنفسه. والرجل الوحيد الذي نجا من حكم الإعدام اعتنق الإسلام.
الخلفاء الراشدون مع غير المسلمين
نريد هنا أن ندرس بإيجاز تعامل الخلفاء مع أهل الكتاب، لأن هذا العهد من تاريخ الإسلام أساس استند إليه الولاة والحكام المتأخرون. نرى في المصادر الأولى وكتب السير المتأخرة نماذج للمعاهدات المعقودة بين الولاة والحكام أو القادة مع غير المسلمين. غير أن النصوص الأصلية لها ضاعت. بالاعتماد على ما نجد بين أيدينا من تلك النصوص يمكننا فقط أن نأخذ فكرة عامة وصورة غير واضحة عما جرى حينذاك. أما الناحية الأخرى التي تضفي على هذه المعاهدات أهمية في نظرنا فَرَأْي الفقهاء أنها مبنية على سنّة الرسول محمد.
شبه الجزيرة:
أهم نص في هذا الصدد هو المعاهدة مع أهل نجران، ومعاهدة الصلح مع بني تغلب. (كتاب الخراج).
نجران: عقد أهل نجران معاهدة مع محمد جددوها مع خليفته أبي بكر (634). غير أن عمر نقض المعاهدة وأمر بإجلائهم. الأسباب التي تورد في المصادر الإسلامية والتي تبرر تنحيتهم في نظر المسلمين تعتورها تناقضات! أهمها ما يلي:
1- تكاثر أهل نجران جداً حتى خاف المسلمون من هجوم من الجنوب. فحماية للمسلمين من هجوم محتمل من الجنوب قرر عمر ابعادهم.
2- لم يلتزموا بشروط العهد الذي عقدوه مع الخليفة، فكانت طاعتهم مشكوكاً في أمرها. غير أن كتاباً بعث به عمر كتب فيه وجوب حمايتهم وذلك لعهد أُعطوهُ من قبل المسلمين يفند صحة هذا الزعم.
نص آخر في المصادر يفيد بأن الأمر لا يتعلق إلا بقسم من أهل نجران (أي بسكان دعش) الذين اعتنقوا المسيحية بعد ما كانوا قد اهتدوا إلى الإسلام، فكتب عمر إلى واليه يعلى بن أمية بأن لا يعاقب الذين ارتدوا إن عادوا إلى الإسلام وهم تائبون.
تبرير آخر لطرد المسيحيين من الحجاز واليمن يكمن في حديث نبوي مفاده: لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلماً (رواه مسلم).
وعن عائشة قالت: آخر ما عهد رسول الله: لا يترك بجزيرة العرب دينان (رواه أحمد).
وفي مسنده عن علي قال رسول الله: يا علي، إن وليت الأمر بعدي فأخرج أهل نجران من جزيرة العرب.
وعن عبد الله بن أحمد سمعت إبي يقول حديث النبي: لا يبقى دينان بجزيرة العرب.
بنو تغلب:
هذه القبيلة الشهيرة بسطوتها التزم أغلب أفرادها بالمسيحية، وكانت تقطن بالحدود مع بيزنطة ومملكة الفرس في شمال ما وراء النهر. عُقد معهم عهد يختلف عن العهود الأخرى محتواه اللين حيث أبى بنو تغلب عقد عهد الذمة مع المسلمين. واكتفى المسلمون كيلا يدفعوا بهم على التحالف مع الأعداء بجمع الزكاة المضاعفة تمييزاً إياهم من المسلمين، ولم يدفعوا الجزية وهو صاغرون . مما يوضح أن المعاهدات من هذا القبيل مع غير المسلمين ليست خاضعة لقواعد محدودة، بل يتغير محتواها حسب الظرف والمكان. تارة لصالح غير المسلمين إن كانوا أقوياء، وتارة لغير صالحهم إن لم يكونوا في وضع يمكّنهم من الدفاع عن أنفسهم. إن الذين خلفوا عمر راعوا هذا العهد مع بني تغلب.
في العراق – حيرة:
سنة 633 استسلمت حيرة للقائد الإسلامي خالد بن الوليد تحت معاهدة مفادها:
1- لأهل حيرة دينهم، لهم كنائسهم وصوامعهم ومعابدهم، ولهم حمل الصلبان ودق النواقيس.
2- لا يجوز لهم أن يساعدوا أعداء المسلمين، ولا أن يشيروا على هؤلاء ضعف المسلمين.
3- عليهم بالسلوك الصالح، ولهم لبس ما يشاؤون دون أن يتشبهوا بالمسلمين.
4- هم يعطون المسلمين ملجأ وسكنى، وعبيدهم يباعون في سوق المسلمين إن اهتدوا إلى الإسلام، والسِّعر لأصحابهم.
ما وراء النهر:
حسب البلاذري عقد أياد بن غنم مع رقاو روحا المعاهدة التالية:
بسم الله الرحمن الرحيم، منح أياد بن غنم يوم اجتمع مع أهل رقا الأمان للأفراد والضمان لأموالهم. لا تهدم كنائسهم ولا تستعمل للسكن، إن دفعوا الجزية المفروضة عليهم، وما قتلوا نفساً، وكفوا عن دق النواقيس، ولم يبنوا صوامع ومعابد، وما حملوا صلباناً. والله يشهد على ذلك وهو يكفي شهيداً.
بعلبك:
حسب المعاهدة التي عقدها أبو عبيدة (خالد بن الوليد) مع هذه المدينة منح سكان المدينة من الروم والفرس والعرب بالضمان لأرواحهم وأموالهم، كما التزم المسلمون بعدم هدم الكنائس وعدم مصادرة بيوتهم خارج المدينة. غير أن سكانها (حسب ابن العساكر) أُجبروا على التخلي عن نصف ما يملكون من بيوت وكنائس، ودفع الخراج مع الجزية.
القدس:
توجد لدينا من المعاهدة المعقودة بين المسلمين والقدس نسخ مختلفة جداً (عددها حوالي 630) نجدها مختصرة عند اليعقوبي والمصادر المسيحية. أما النسخة الواردة في الطبري فمشكوك في أمرها، رغم إنها تعتبر أكثرها تفصيلاً. فكما هو الحال في المعاهدات الأخرى منحت لسكان القدس حماية الدين والنفس، غير أنه كان عليهم أن يتعهدوا بأن لا يسكن معهم يهودي.
بلاد الفارس:
أصفهان: نقرأ في وثائق المعاهدات مع أهل أصفهان وري وجرجان أن البالغين منهم يدفعون الجزية سنوياً لوالي المدينة مباشرة، ويؤوون المسلم المسافر ليوم وليلة، ويقدمون المشاة من المسلمين و مطاياهم قنية سفر يوم واحد. من أهان مسلماً يعاقب عقاباً شديدا، ومن ضرب مسلماً يقتل! نرى الشروط نفسها في المعاهدة مع آذربيجان.
مصر:
سنة 641 تعاقد المسلمون مع سكان القاهرة، يمكننا أن نختصر نص تلك المعاهدة التي نقلها الطبري في تاريخه كما يلي:
يمنح المسلمون بحماية الناس والمال، وكذلك الضمان لكنائسهم وصلبانهم. أهل مصر يتحملون المسؤولية عما يقترفه قطاع الطرق من جرائم. ويدفعون جزية تقدر ب 50 مليون دينار. أما النوبيون فليس لهم أن يسكنوا مع المصريين. إن تعاقد النوبيون مع المسلمين على مثل هذا فلهم ما للمصريين وعليهم ما على هؤلاء. غير أنهم يتعهدون بتزويد المسلمين بعدد معين من العبيد والخيل، إن أرادوا أن يَسْلموا من هجوم المسلمين. إذا كان هذا التعاقد قد تم بعدما وافق المصريون عليه، أو مُنح لهم عهد الذمة من قبل الخليفة عمر بعد فتح مصر عنوة، فهذا موضوع نقاش بين الباحثين.
أخيراً العهدة العمرية
أريد أن أذكر معاهدة بين عمر والمسيحيين في سورية. هذه المعاهدة اشتهرت بمعاهدة أو عهد عمر ولها أهمية كبرى إذ تحوي على شروط عمر فيما يتعلق بعلاقة المسلمين مع أهل الذمة. يقول سراج الدين الطرشوشي (1126): لما أمَّن عمر بن الخطاب إيانا نحن نصارى الشام (سورية)؟! بعثنا بالكتاب الآتي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب بعثنا به نحن نصارى الشام إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لما أتيتم بلدنا.
استأمنا منكم لأنفسنا ولذوينا ولأموالنا ولإخواننا في الدين،
وتعهدنا بألا نبني كنائس ولا صوامع ولا بيعاً،
ولن نعمر ما أشرف على الانهدام منها،
ولن نصلح ما يقع منها في أحياء المسلمين. نؤوي المارة والمسافرين من المسلمين في بيوتنا،
ونضيف المسلمين أجمعين ثلاثة أيام،
ولن نقبل جاسوساً ولا عيناً في كنائسنا ولا في دورنا،
ولن نخفي على المسلمين ما من شأنه الإضرار بمصالحهم.
لن نعلّم أولادنا القرآن،
ولن نحتفل بقداديسنا على مرأى الناس،
ولن ننصح بذلك في عظاتنا،
ولن نمنع أحداً من أهل ديننا من اعتناق الإسلام إن أراد. نعامل المسلمين بالبر والإحسان،
ونقوم إذا جلسوا،
ولن نتشبه بهم في الملبس،
ولن نأخذ بلسانهم،
ولن نكني أنفسنا ولا أولادنا،
ولن نسرج ولا نحمل سلاحاً،
ولن نضرب في خواتيمنا حروفاً عربية،
ولن نتاجر بالمسكرات،
ونحلق مقادم رؤوسناَ،
ولن نعرض كتبنا ولا صلباننا في أماكن المسلمين.
وضع الذمي في الإسلام
خلافاً لما قال اللاهوتي المسيحي ثيودور أبو القرة (750-820) بأن الذمة تتناقض ورسالة الإسلام العالمية،
يكتب السرخسي بأن الغرض من عقد الذمة ليس مالياً، بل يستهدف من ورائه إلى هُدى الذمي إلى الإسلام بالمعروف كما أمرنا به القرآن:
” ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)” (سورة النحل 16 : 125).
يعقد عقد الذمة من قبل إمام الأمة أو خليفته إن توفرت الشروط؟ فليس لأحد من الطرفين أن يأبى قبوله. أما الذين اعتبرهم الفقه الإسلامي ممن يجوز عقد الذمة معهم فهم كما قلنا آنفاً اليهود والنصارى والمجوس والصابئة. يقول الأحناف إنه مع المشركين يجوز عقد الذمة إن لم يكونوا عرباً. أما الإمام مالك فيرخص عقد الذمة حتى مع المشركين العرب? ولكن شريطة أن لا يكونوا من القريش.
واجبات الذمي:
حسب المعاهدات المعقودة بين المسلمين وأهل الذمة يمكننا أن نستنتج أن حقوق أهل الذمة العامة، مثل حماية النفس والمال وحماية عقد الزواج والتجارة مضمونة، مما يعني أن المسلمين يتعهدون بحماية أهل الذمة والدفاع عنهم إذا تعرضوا للاعتداء. فإذا تخلت الأمة من أداء واجباتها تلك تجاه أهل الذمة، فليس عليهم أن يعطوا الجزية ولا الخراج.
يبدو لي أن الطريقة المثلى في تعيين واجبات الذمي دراسة الأوضاع والحالات التي تؤدي إلى إلغاء عهد الذمة، فهي كما يلي:
1- إذا تسلح ضد المسلمين، أو انتمى إلى دار الحرب (هذه هي الحالة الوحيدة التي قبلها أبو حنيفة سبباً في سقوط عهد الذمة).
2- إباء الذمي أن يخضع لقوانين وأحكام الأمة الإسلامية.
3- إباء الذمي أن يعطي الضرائب المفروضة لأوقات معينة (الشافعي لا يقبل إلا الحالات الثلاث هذه سبباً في الغاء عقد الذمة.
4- أن يفتن الذمي مسلماً عن دينه.
5- أن يؤوي جواسيس وعيون الأعداء والمشركين، وأن يدعم أعداء الإسلام بالمعلومات.
6- ان يقتل فرداً من أفراد المسلمين عمداً.
7- أن يكفر بالله (يشتم) أو يسب على النبي والقرآن أو الدين الإسلامي. (لا يعترف الإمام مالك إلا بالأحوال السبعة هذه تبريراً لسقوط عهد الذمة).
8- أن يزني بامرأة مسلمة.
9- أن يقطع الطرق (الحنابلة يقبلون فقط بهذه الحالات التسع).
هناك فقهاء أخرون يوردون التزامات إضافية لأهل الذمة أهمها:
1- على أهل الذمة حمل ما يدل على ملّتهم (نجمة صفراء لليهود ونجمة زرقاء للنصارى).
2- لا يجوز لهم أن يبنوا بيوتهم أعلى من بيوت المسلمين.
3- لا يجوز أن يدقوا النواقيس ويتلوا أخبار المسيح والروايات المأثورة عنه بصوت عالٍ.
4- ليس من الجائز أن يشربوا في الطرقات خمراً، أو يحملوا صلباناً، ويجرّوا خنازيرهم.
5- عليهم أن يدفنوا موتاهم دون عويل.
6- ولا يجوز أن يركبوا سوى الحمار.
هذه الأحكام يقصد من ورائها كما يقول الفقهاء تمييز أهل الذمة من المسلمين، أو انها وضعت دلالة على أنهم صاغرون. ولهم إن يسلموا ان أرادوا العزة في الدنيا والآخرة، كما يقول ابن تيمية.
تتبع
للمزيد:
شذوذ النبي محمد (ص) مع زاهر بن حرام (ر)
للكبار فقط (+18) : رهط من الصعاليك العراة ينتهكون عرض النبي محمد (ص) ويركبونه حتى الصباح
للكبار فقط (+ 18): هل كان الرسول محمد (ص) شاذاً لوطي ؟
الخليفة عمر ابن الخطاب يقر ويعترف بأنه لوطي وشاذ جنسياً
محمد يأتيه الوحي وهو فى ثوب عائشة
قتيلة بنت قيس زوجة محمد (ص) التي إرتدت عن الإسلام وتزوجت بعد موته
الأديب والمفكر محمد زكي عبد القادر.. عندما دخل المسيح قلبها!
القرآن يقر ويعترف بان المسيح هو الرحمن
عصا موسى.. الخشبة التى تنقذ من الموت!
افعال لا تليق بنبي : 1 – مقتل ام قرفة
أخلاق محمد جـ 3 : قتل الأسرى والنساء والأطفال، إحراق المزروعات
داعش والاسلام …عملة واحدة ذات وجهان
قنابل النصوص القرآنية وإلغام السنن المحمدية
إِلْهَاً وَحْشِيًّا يَلدْ أُمْة من اَلْقَتَلة
للكبار فقط (+ 18): هل كان الرسول محمد (ص) شاذاً لوطي ؟
Was Muhammad a bisexual pervert?
الازهر مفرخة الإرهاب الأولى فى العالم
مُحاكَمَة صَلعَم مُدَّعِي النَبُوة… مَطلَبٌ وَنَصرٌ للإنسانِية
الإسلام عقيدة أيدولوجية أخطر من النازية والفاشية وعلى الجميع كشفها ومحاربتها – المقدمة
الإسلام سَلامٌ وَرَحْمَة.. وَلَنا فِي الوَلاءِ وَالبَراءِ عِبْرِةٌ