أحمد عبد المعطى حجازى.. زواج الصغار.. وإرضاع الكبار!

زواج الصغار.. وإرضاع الكبار!
أحمد عبد المعطى حجازى
لماذا نقف أمام المشكلات التى نعانى منها الأمرين عاجزين عن معرفة أسبابها، وعن توقع نتائجها؟ بل نحن لا نقف أمام هذه المشكلات لنراها فى سياقها وفى ارتباطها بغيرها، ولنقدر أبعادها ونكشف عن أصلها ونواجهها بما يساعدنا على تجاوزها والخروج منها، وإنما نغرق إلى الأذقان فى كل مشكلة على حدة كأنها قدر لا نستطيع أن نتخلص منه، فإذا قدر لنا أن نسير فى طريق الخلاص بعض الوقت، قنعنا بالقليل الذى حصلناه وفقدنا القدرة على مواصلة السير وعدنا لنغرق من جديد فى المشكلة التى أصبحت مزمنة متوطنة. ولو تأملنا الواقع الذى نعيشه، ونحن فى القرن الحادى والعشرين ورجعنا بأبصارنا إلى الوراء لوجدنا أن ما نحن فيه اليوم هو ما كنا فيه قبل قرون، بل نحن نرى أن ما يشكو منه بعضنا ويستغربون وجوده فى حياتنا يدافع عنه آخرون، ويعتبرونه تراثا يجب أن نرعاه، وأن نلتزمه.
نحن نتحدث فى هذه الأيام عن تزويج الفتيات وهن أطفال فى الثانية عشرة من أعمارهن كأنه تقليعة جديدة أو حدث مفاجئ وليس مرضا متوطنا يجمع بين الآباء الذين يزوجون بناتهم وهن أطفال، وبين الرجال الذين يتقدمون للزواج من هؤلاء الفتيات الصغيرات، وربما كانوا كهولا وشيوخا لا يجد الواحد منهم حرجا فى أن يتقدم ليتزوج طفلة فى عمر ابنته أو حفيدته لأنها قاصر لا تملك أن تقول لا أو نعم، وإنما أمرها كله لولى أمرها الذى يملك وحده أن يقبل ويرفض، ولأن التكافؤ فى الأعمار ليس شرطا عند الكثيرين، وإنما الشرط هو المهر الذى يتحول فى كثير من الزيجات إلى أجر أو ثمن يدفعه العريس الباحث عن طفلة يلهو بها لأهل الطفلة الذين يفرحون بهذه الزيجة التى تخلصهم من كائن لم يرحبوا به يوم جاء، ولأنهم سيحصلون فوق هذا على ثمن مرتفع سوف يدفعه العريس الكهل أو الشيخ راضيا مرحبا لأنه سيحصل فى مقابله على المتعة التى وعدته بها ثقافته التى لا تشترط فى الفتاة المطلوبة للزواج إلا شرطا واحدا هو أن تطيق الوطء، فإن أطاقته فالمتعة حق لمن يطلبها مادام قادرا على أن يدفع الثمن. ونحن نعرف جيدا أن هذه الثقافة ليست مجرد عادات أو تقاليد نستطيع أن نتحرر منها، وإنما هى نصوص يستشهد بها وروايات تنسب للدين ويصدقها الواقع، وتجد من يتبناها حتى فى البرلمان الذى تقدم فيه بعضهم قبل أسابيع بقانون ينزل بالحد الأدنى لسن الزواج، فيصبح ستة عشر عاما بدلا من ثمانية عشر، هذا القانون لن يجد من يحتاج لإصداره، لأن الذين يشتهون الفتيات الصغيرات يستطيعون الحصول عليهن بعيدا عن القانون. الثقافة السائدة تصرح لهم، والمال الذى نعلم أنه فوق القانون قادر على إقناع أهل الطفلة، فضلا عن إقناع الذين يستطيعون أن يحرروا شهادات رسمية يؤكدون فيها أن العروس بلغت السن القانونية، ومادامت تطيق الوطء فكل شىء مباح!.
نتحدث اليوم عن زواج الفتيات الصغيرات كأنه أمر طارئ، وكأنه ليس تعبيرا من تعبيرات مختلفة عما تمثله المرأة لنا، فإذا أردنا اليوم أن نصحح موقفنا من المرأة، فليس يكفى أن نتحدث عن زواج الصغيرات، وإنما علينا أن نراجع كل الأوضاع السيئة التى تعيش فيها المرأة، وأن نرد لها حقوقها الطبيعية كلها، ونراها فى صورتها الحقيقية، وإلا فالظلم الذى تتعرض له المرأة، ولو فى جانب واحد من جوانب حياتها يُغرِى بأن تظلم فى كل الجوانب، والتنازل عن حق واحد من حقوقها ينتهى بالتنازل عن كل الحقوق.
حتى الآن لاتزال المرأة المصرية تتعرض، وهى طفلة لا تستطيع الدفاع عن نفسها لهذا الاعتداء الوحشى المتمثل فى الختان، واحد وتسعون فى المائة من نساء الريف وخمسة وثمانون فى المائة من نساء المدن. ومصر فى هذه العادة البغيضة الموروثة من عصور العبودية تحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية والمرتبة السادسة بين الدول الإفريقية، والختان هو استئصال جزء من الأعضاء التناسلية تفقد الأنثى بفقده حقها الطبيعى فى علاقة جسدية متكافئة. وفى الوقت الذى يسمح فيه القانون للرجل بأن يضاعف نصيبه من المتعة، فيتزوج أكثر من امرأة، ويطلق ويتزوج كما يشاء يفرض المجتمع على المرأة أن تتخلى عن حقها فى معاشرة زوجها، وأن تكون فى علاقتها به مجرد وعاء أو أداة صماء لا تحس ولا تشارك، وهو الوضع الذى سمح لبعض الشيوخ بأن يطلعوا علينا بتلك الفتوى الخليعة التى أجازت لمن فقد زوجته أن يضاجعها وهى ميتة فيما سموه نكاح الوداع، فما دام المطلوب من الزوجة أن تترك جسدها لزوجها يصنع به ما يشاء دون أن تشاركه متعته. فمضاجعة الجسد الميت هى المضاجعة النموذجية لأن صاحبته لن تحس، ولن تشارك، ومثلها مضاجعة البهيمة لأن البهيمة ملك اليمين مثلها مثل الجارية!.
فإذا كان محرما على المرأة أن تعبر عن أنوثتها حتى وهى فى أحضان زوجها فهى محرومة بالأحرى من هذا الحق حين تخرج من بيتها لتمارس عملها الذى تؤديه مع غيرها من النساء والرجال فى الميادين والمؤسسات والمكاتب الحكومية، وغير الحكومية، وما عليها فى هذه الحالة تتبرأ من جسدها، تنكر نفسها، وتخفى كيانها فيما يشبه الكفن، وإلا فهناك فتوى أخرى استطاع بها بعض الفقهاء المجتهدين أن يزودوا بها المرأة العاملة، ويمكنوها من الاختلاط بغيرها دون خوف أو حرج، وهى أن ترضع زملاءها الرجال فى المكتب أو فى المصنع من ثديها لتصبح أما لهم، أقول إن المرأة ستظل فى هذه الأوضاع البائسة طالما تعرضت للتمييز، ولو فى مجال واحد، لأن التمييز مرض معد يمتد وينتشر ويتحول الى نظام يخضع له الرجال والنساء.
https://www.youtube.com/watch?v=9c6WJCmv0qo
https://www.youtube.com/watch?v=ZhoPJ-1zWUQ
https://www.youtube.com/watch?v=kYAyGj7Ap1Y