الإيمان المسيحي

القس بسام بنورة .. المسيحيّة: هل هي دين أم ماذا؟ – الجزء الثالث

المسيحيّة: هل هي دين أم ماذا؟ – الجزء الثالث

القس بسام بنورة

القس بسام بنورة .. المسيحيّة: هل هي دين أم ماذا؟ - الجزء الثالثعالجت في الجزء الثاني من هذه الدّراسة مفهوم الدّين، وكيف أنه يوجد في عالمنا اليوم ديانات وعقائد ومبادئ ‏وفلسفات وأيديولوجيّات مختلفة. وفي جميع هذه الديانات والعقائد والفلسفات المنتشرة في العالم، يمكن الغاء ‏شخصيّة مؤسس أو نبي أو رسول الدين أو الفلسفة، ومع ذلك تبقى الفلسفة ويستمر الدين موجوداً بأركانه ‏وشريعته ومبادئه وطقوسه وعباداته ورجالاته.

أما المسيحيّة فلا يمكن منطقيّاً وقانونيّاً مقارنتها أو وضعها بين جملة ‏هذه الديانات والعقائد مات جميع مؤسسي ديانات العالم، واتباعهم سيموتون مثلهم، وهذه حقيقة نجدها حتّى في كتب وتعاليم ديانات العالم.

‏بعكس المسيحيّة، حيث يمثل حضور الرّب يسوع المسيح الحي في الكنيسة وفي حياة كل من يؤمن به في العالم، ‏ألأساس الوحيد للحياة المسيحية. لأن لسان حال المؤمن المسيحي يقول: المسيح حياتنا واساس رجاؤنا “لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا ‏وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ”. (سفر أعمال الرّسل 28:17).‏

يجب أن أذكر هنا بأنه توجد بعض التعاليم الجيّدة في ديانات العالم، ولكن ذلك لا يمكن أن يقود الى الإستنتاج بان ‏هذه الدّيانات هي من الله.

فحتى الدّيانات التي تنكر وجود اله مثل البوذيّة، أو التي تقول بوجود ملايين الآلهة مثل ‏الهندوسيّة، هذه الدّيانات تقدم لاتباعها وللعالم تعاليم جيدة قد تسمو في بعضها على ما اتفق الناس على تسميته ‏بالدّيانات السّماوية أو الإبراهيميّة.

كذلك توجد فلسفات وعقائد تدعو الى الاخلاق الجيّدة والعدالة واحترام ‏حقوق الإنسان، مع أن بعض هذه الفلسفات تنكر وجود خالق للكون مثل الوجوديّة والماركسيّة الليلينيّة.

القس بسام بنورة .. المسيحيّة: هل هي دين أم ماذا؟ - الجزء الثالثولكن ‏الأخلاق الجيّدة والاعمال الصّالحة والقيام بالواجبات الدينية لا يمكن ان تقود الإنسان الى الخلاص والحياة الابديّة. ‏كذلك فإن ديانات وفلسفات العالم تفتقد إلى حضور الله الحي كما هو الحال في المسيحيّة، حيث يعيش الرّب يسوع ‏المسيح وسط كنيسته وفي حياة كل من يؤمن به.‏

إن إنجيل مجد الله هو نهاية الدّين. لذلك علينا كمسيحيّين أن لا نستخدم عبارة “دين مسيحي” نهائيّاً، وذلك لأنّنا هنا ‏نستخدم كلمتين تناقضان بعضهما البعض.

ففي الكتاب المقدّس لا نتعلّم عن أي أمر إيجابي يتعلّق بالدّين. كذلك ‏فإننا لا نجد في بحثنا في الدّين أية صلة بين المسيحيّة الحقّة وما يسمّى “دين”.

فالكنيسة المسيحيّة لا تعمل في مجال ‏الدّين وليست لها رسالة دينيّة، لأن رسالتها هي رسالة محبة الله التي تجسّدت بموت الرّب يسوع المسيح على ‏الصليب وقيامته المجيدة من الموت.‏ المسيحيّة ليست دين، ولن تصبح دين أبداً وذلك لان الرّب يسوع المسيح، الذي هو رب وسيد ومخلّص وفادي ‏الكنيسة، أي جماعة المؤمنين به، هو حي في كنيسته ويرعاها ويحميها من كل أشكال الدين. والإنسان المسيحي لا ‏يؤمن بدين يتكون من عقائد وطقوس، بل يؤمن بالرب يسوع المسيح الحي، ويعيش بحسب تعاليمه السّامية التي ‏أعلنها لنا الله في الكتاب المقدّس.‏

ما هي المسيحيّة:

المسيحية هي طريق الحياة التي يريدها الله للجنس البشري. وكلمة “الحياة” في هذا التعريف ‏تشير الى الحياة المقدّسة، أي المنفصلة عن الخطيّة، في هذا العالم، وإلى الحياة الأبدية في السّماء مع الله الواحد الآب ‏والإبن والرّوح القدس.

هذا التعريف السّهل والواضح نستنتجه بكل بساطة من خلال دراسة إعلان الله الكامل في ‏الكتاب المقدّس.

فنحن كمسيحيين نؤمن أن الله حي وموجود منذ الأزل وإلى الابد. وأن وجود الله قائم بذاته، وناطق ‏وخالق بكلمته، وحيّ بروحه. فقبل وجود هذا الكون الشّاسع بكل ما فيه من مجرات ونجوم وكواكب، كان الله ‏موجوداً في وحدانيّته الجامعة. أي ان وجود الله لا يحتاج لأي شيء آخر ولا يعتمد على أي شيء آخر.

وفي لحظة ‏معينة اختارها الله بإرادته الكاملة والصّالحة، بادر الى القيام بعملية الخلق، وأوجد بقدرته وسلطانه كل ما في الكون. ‏وآخر شيء خلقه الله كان الإنسان الذي جعله على صورته ومثاله كما نقرأ في (سفر التكوين 27:1): “فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ ‏عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ”.

ووضع الله الإنسان الّذي خلقه في جنة عدن على الأرض ‏ليعيش فيها بفرح وسلام وانسجام تام مع بقيّة الخليقة، وكذلك لتكون له علاقة شخصيّة حميمة مع الله. أسلوب ‏الحياة هذا الذي اختاره الله للإنسان كان تجسيداً لإرادة

الله الذي يحب الإنسان الذي خلقه، والذي يريد الله من ‏الإنسان ان يعيشه باختياره الحر. أي أن الله أعطى الإنسان منذ البدأ الحريّة لكي يقبل طريق الله في الحياة أو ‏يرفضها، وبالتالي يتحمل الإنسان مسئولية قراره الحر.‏ بعد مضي زمن لا نعرف مدّته، اختار الإنسان في لحظة ضعف، وبإغواء من الشّيطان، أن يعصي الله. وهذا العصيان ‏أو التعدي على إرادة الله، أدّى الى دخول الخطيّة والموت كعنصر جديد في حياة النّاس.

نقرأ في (رسالة رومية 12:5): ‏‏“بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ”. ‏

بعد السقوط في الخطيّة، ابتدع النّاس ديانات وعقائد وفلسفات متنوعة لفهم الحياة، ومحاولة إرضاء الخالق، والعودة ‏الى الجنّة المفقودة.‏

القس بسام بنورة .. المسيحيّة: هل هي دين أم ماذا؟ - الجزء الثالثلم يترك الله الإنسان في حالة ضياع وبحث دائم، بل تدخل في حياة النّاس وتعامل مع افراد بعينهم، مثل نوح وإبراهيم ‏وإسحق ويعقوب ويوسف، لأنه راى فيهم طهارة القلب وصدق البحث عن طريق الحق. وبعد أن أعطى الله البشريّة ‏زمناّ كافياً، عمل على إعلان إرادته وشريعته ووصاياه عن طريق نبيّه العظيم موسى.

وقد ساعدت الشّريعة النّاس على ‏التّمييز بين الخير والشّر، وبين العمل الصّالح والعمل الرديء. وتقرّب النّاس الى الله عن طريق تقديم ذبائح حيوانيّة ‏للتكفير عن خطاياهم. ولكن هذه الذّبائح الحيوانيّة كانت رمزيّة ومؤقّته وتشير إلى ذبيحة عظمى وحيدة كفيلة أن ‏تكفّر عن خطايا العالم كلّه مرّة واحدة وإلى الأبد.

هذه الذّبيحة كان لا بد لها أن تكون كاملة وبلا خطيّة، والأهم أنه ‏كان لا بدّ لها أن تكون إنسانيّة، فلا يكفر عن خطايا الإنسان الّا إنسان مثله، ولا يفدي الإنسان الّا إنسان مثله.

‏ولكن لو كانت هذه الذّبيحة مجرّد إنسان عادي، أي مثل أي إنسان آخر، فإنه لا يمكن له أن يفدي إلا إنساناً ‏واحداً فقط، وليس كل البشريّة التي عاشت في الماضي، وتعيش الآن، وستعيش مستقبلاً.

وبما أنه لا يوجد إنسان ‏مخلوق يستطيع ان يفدي البشريّة، لأن كل إنسان مخلوق هو بذاته خاطىء ويحتاج الى من يفديه ويخلّصه، كان لا بد ‏وأن يكون الفادي إنساناً غير مخلوق وكامل وعظيم بحيث تكون ذبيحته كافية للتكفير عن خطايا كل إنسان من آدم ‏الى آخر إنسان سيخلق في الوجود.‏

وهكذا، وفي ملء الزّمان، جاء الله الى العالم في صورة إنسان، وولد من القدّيسة مريم العذراء بدون زرع بشر، وذلك ‏حتّى لا يرث الطبيعة البشريّة الفاسدة وبالتالي يكون بلا خطيّة. ودعي اسمه يسوع، أي الله المخلّص، وعاش حياة ‏إنسان كامل بين النّاس، وكمّل شريعة الله، وأعطى البشريّة أروع وأعظم واقدس تعاليم عرفها النّاس، ثم توّج حياته ‏بالموت طوعاً على الصّليب حتى يعطي لكل من يؤمن به الفداء والخلاص والحياة الأبديّة.

ثم قام في اليوم الثّالث ‏وهزم الموت، وأعطانا بقيامته رجاء حيّاً بالقيامة من الموت والحياة الابدية مع الله في السماء.‏

هذا التلخيص المكثّف جدا لتاريخ معاملات الله مع الجنس البشري هو خلاصة ما نسمّيه المسيحيّة. أي أن ‏المسيحيّة هي الحياة بحسب مشيئة الله وبقوة الله وفي طريق الله. فالإنسان المسيحي الحقيقي هو الإنسان المولود مرة ‏ثانية، أي ولادة روحيّة تتم لحظة توبة الإنسان عن خطاياه، والطّلب من الله أن يطهره بدم الرّب يسوع المسيح الذي ‏سفك على الصّليب من أجلنا. عندها يختبر الإنسان خلاص الله ويصبح إنساناً جديداً، ويعيش حياته بحسب إرادة ‏الله الصالحة والمرضيّة والكاملة.‏

الفرق بين المسيحيّة الحقيقيّة وما يسمّى “بالدّيانة المسيحيّة:

يؤدي عدم التفريق بين المسيحيّة الحقّة ‏وديانات العالم إلى اعتبار المسيحيّة مثل غيرها من الديانات. وخصوصاً عند القيام بدراسة مقارنة بين تلك الديانات. ‏ويعتمد دارسو الأديان على اعتبارات اجتماعيّة ونفسيّة وعقائديّة وطقسيّة وتنظيميّة عند القيام بالمقارنة بين ‏الديانات، وهذه الاعتبارات لا تصلح ولا تكفي لفهم الإيمان والحياة المسيحيّة.‏

أما المسيحيّة الحقيقيّة فتتطلّب حضور وعمل الرّب يسوع الحي، لأن المسيحيّة هي شخص الرب يسوع المسيح ‏وحياته ووجوده وسط شعبه، أي الكنيسة. علي هنا أن أوضّح بأن الكنيسة ليست البناء الحجري بل هي مجموعة ‏الافراد الّذين يؤمنون بالّرب يسوع المسيح. الكنيسة هي البشر وليست الحجر، والرّب يسوع المسيح ليس مؤسّساً ‏لما يسمى “الدّين المسيحي”، ولكنّه الأساس الرّوحي الحي والفعّال في الوجود البشري.

كذلك فإنّ الرّب يسوع هو ‏مصدر الحياة والخلاص والوجود لكل من يقبله من النّاس في العالم. وعليه فإنّنا لو نزعنا شخص الرّب يسوع من ‏المسيحيّة الحقيقيّة، فإنّنا عندها نحصل على شيء مختلف اسمه “دين مسيحي” بكل أنظمته وقادته وطقوسه وأعياده ‏وميزانيّته وقدّيسيه وشفاعاتهم، ولكن بدون الرّب يسوع الحي.

وهكذا فعبارة “دين مسيحي” هو اسم خاطئ ‏للمسيحيّة.‏

إن ما يسمّى اليوم “بالدّين المسيحي” هو اختراع بشري بامتياز، ولا يعبر عن إرادة الله الواضحة والمعلنة بقوة في ‏الكتاب المقدّس.

الدّين المسيحي كما هو شائع بين الناس، هو مجموعة التفاسير والطّقوس والممارسات الّتي تشكّلت ‏بناءً على المفاهيم والتّفاسير المختلفة لتعاليم الكتاب المقّس، والّتي أقرّها أشخاص مختلفين عاشوا في عصور وأماكن ‏مختلفة.‏ ما يسمّى “بالدّين المسيحي” هو خروج صريح عن المسيحيّة الحقّة.

ومع الأسف الشّديد، تستطيع بواسطة ما يسمى ‏‏”الدين المسيحي” أن تلغي شخص المسيح، ولكن يبقى لديك العقائد والبرامج والطقوس والمنظمة الكنسيّة بهرم ‏القيادة الّتي تحكم الكنيسة.

واليوم يقول بعض رجال اللاهوت بأنّه سواء كان يسوع المسيح شخصيّة تاريخيّة حقيقيّة ‏أم لم يكن، فإنّ الدّين المسيحي باقٍ ليساعد النّاس أخلاقيّاً ونفسيّاً.

وهذا قمة الخداع والضلال والضّياع، لأنه بدون ‏شخص الرّب يسوع لا يوجد فداء أو خلاص أو حياة مقدّسة في العالم أو حياة أبديّة في السّماء.‏ بحسب ما يطلق عليه “الدّيانة المسيحيّة” الرسمية الموجودة الآن، فحتّى لو مات الله فستبقى الدّيانة، لأنّ محورها ليس ‏شخص الرّب يسوع المسيح الحي والمقام من بين الاموات.

فالكنيسة بخدماتها وطقوسها وممتلكاتها وقادتها ورسومها ‏سوف تستمر، لأنّ المطلوب فقط هو الإنسان والمال والعمارات والمؤسسات، ولا حاجة لله.‏

في الواقع إن ما يسمّى “بالدّين المسيحي” أي مفاهيم وأعمال النّاس المبنيّة على تفاسيرهم الخاصّة لتعاليم الرّب ‏يسوع المسيح، يختلف كلّياً عن المسيحيّة الحقّة الّتي مركزها شخص الرّب يسوع المسيح، وليس مجرد تعاليمه. فالرّب ‏يسوع لم يقل احفظوا تعاليمي فقط، بل قال له المجد: “أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ” (أنجيل يوحنا 25:11) و “أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ ‏وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ” (أنجيل يوحنا 6:14).

و “أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ”. (أنجيل يوحنا ‏‏12:8).

القس بسام بنورة .. المسيحيّة: هل هي دين أم ماذا؟ - الجزء الثالثوكنيسة الرّب يسوع المسيح قائمة وحيّة وموجودة منذ اكثر من ألفي عام، رغم كل الإضطهاد والقتل ‏والظلم الذي تعرض له المسيحيين، والذي ازداد شراسة في الأيام الاخيرة، لأن الرب يسوع وعد كنيسته قائلا بأنه ‏هو الذي يبني كنيسته، ولأنه ما يزال حتى اليوم يشجع المؤمنين به قائلاً لهم: “إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ”. (أنجيل يوحنا ‏‏19:14).

فحقيقة شخص الرّب يسوع هو ما يعكس حقّ الله، وحضور الرّب يسوع الحي والمقام من بين الأموات، ‏هو حياة الله القدوس في كنيسته وما يعطيه للعالم.‏

عندما آمنت بالرب يسوع المسيح له المجد، تعرضّت لأشكال مختلفة من الإتهامات والشّتائم والتجريح والطّعن.

ولكن أكثر تهمة تعرّضت لها كان قول النّاس لي: “أنت غيّرت دينك”.

وكان جوابي وما يزال حتى اليوم: “أنا لم أغيّر أي دين، وأنا أصلا كنت لا أومن بأي دين. أنا كنت اعيش بالخطيّة، ولكنني تبت عنها وآمنت بيسوع المسيح واتّخذته مخلّصاً ورباً لحياتي“. ‏*المسيحية هي حياة قائمة بذاتها، بل هي عين الحياة المشبعة والكاملة بالنسبة للإنسان المسيحي الذي اختبر ‏الخلاص والولادة من فوق والتجديد بالإنجيل.‏ ‏

*المسيحيّة مميزة وفريدة لأنّها تبين عمل ونشاط الله الخالق لاستعادة الجنس البشري من حالة السّقوط والفساد ‏والخطيّة إلى حالة البراءة والطهارة والقداسة، وذلك من خلال شخص الرّب يسوع المسيح وما عمله على الصّليب ‏من أجل البشريّة..‏

*المسيحيّة تعني قبول شخص الرّب يسوع في حياة وسلوك الإنسان.‏ ‏

*المسيحية تعني حياة الرب يسوع في الإنسان، تماماً كما كتب بولس الرّسول بوحي من الله: “مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، ‏فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ ‏نَفْسَهُ لأَجْلِي”. (رسالة غلاطية 20:2).‏ ‏

*المسيحية تعني حياة القداسة التّامة والإبتعاد عن كل أشكال الخطيّة والشّر والنجاسة، تماماً كما تقول كلمة الله: ‏‏”اِتْبَعُوا السَّلاَمَ مَعَ الْجَمِيعِ، وَالْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ”. (رسالة العبرانيين 14:12).‏ ‏

*المسيحيّة ليست دعوة لاعتناق فلسفة أو ممارسة طقوس محددة.‏

‏* كذلك فالمسيحيّة ليست المحافظة على برنامج ثابت.‏ ‏

“الدّين” وتفسير الكتاب المقدّس:

إنّ العهد الجديد الّذي قطعه الرّب يسوع مع الكنيسة يستأصل من الجذور ‏جميع أشكال التديّن الّتي وجدت منذ سقوط الإنسان. فعندما نتأمل في العهد الّذي قطعه الرّب يسوع مع الجنس ‏البشري، أي عندما ندرس كتاب العهد الجديد، فإنّنا نحصل على براهين قاطعة على الاختلاف الجذري والجوهري ‏بين حياة الرّب يسوع وملكوته السماوي المؤسس على النّعمة من جهة، وبين ما يسمى بالدين المسيحي” وديانات ‏العالم من جهة أخرى.‏

إذا قمنا بدراسة العهد الجديد بشكل منهجي، مبتدئين بالإنجيل المقدس بحسب البشير متى، أي بدراسة سيرة ‏وخدمة وتعاليم الرّب يسوع له المجد، فإنّنا سنجد بشكل واضح وساطع وقاطع أن الرّب يسوع كان يعارض ويكشف ‏ويناقض كل أشكال الدّين والتديّن في دعوته إلى ملكوت النّعمة الّذي جاء لإعلانه.‏

كان الكتبة والفرّيسيّون يمثلون الجماعة المتديّنة الّتي اتخذت موقفاً عدائياً لكل ما عمله وقاله الرّب يسوع. فلم يكن ‏لديهم الفهم الرّوحي لاستيعاب ما كان يدعو له الرّب يسوع.

ولو نظرنا إلى تعاليم الرّب يسوع، سنجد أن ثلث ‏تعاليمه تقريباً كان عن طريق استخدام الأمثلة، وهذه الأمثلة ساعدت على إرباك القيادات الدينيّة الّذين نادراً ما ‏أدركوا أنّ الرّب يسوع كان يقارن قناعاتهم وممارساتهم الدينيّة مع سلطان وحكم وملكوت الله الرّوحي الّذي جاء هو ‏لتحقيقه. ولكن في النّهاية أدرك القادة الدينيّين أن الأمثلة تكشفهم على حقيقتهم، ولذلك تآمروا على إسكات ‏الرب يسوع بالصّليب.

ولكن الرّب يسوع غلب الموت وقام منتصرا في اليوم الثّالث، وبقيامته أعطى الرب يسوع ‏للمؤمنين به رجاءً حياً بالقيامة من الموت والحياة الأبديّة معه في السّماء.‏ في سفر أعمال الرّسل، أي في بداية تاريخ الكنيسة، أدرك قادة الكنيسة الأولى بالتّدريج وجود فرق شاسع بين ‏الإنجيل وكل ديانات العالم، وكيف كان عليهم أن يميِّزوا بين المسيحيّة وديانات العالم، وخصوصاً الدّين اليهودي. وقد ‏ساعدت أحداث مميزة وخاصة، مثل حلم بطرس في يافا، وقبول كرنيليوس لشخص الرّب يسوع ودخوله المسيحيّة، ‏ومعاداة القيادة الدينيّة اليهوديّة للكنيسة المسيحيّة في أوروشليم وسائر فلسطين، وغيرها من الأحداث.

ساعدت ‏هذه الأحداث على تعميق الهوّة وإبراز الفرق بين المسيحيّة كحياة مع الرب يسوع المسيح، وكل أشكال وأنواع ‏الدّين والتديّن. ‏ عندما ابتدأ رسل وتلاميذ الرب يسوع المسيح في نشر تعاليم الإنجيل ومبادئ ملكوت الله بين الأمم، نجد أنهم بشّروا ‏النّاس قائلين لهم أن الرب يسوع المسيح هو “رئيس الحياة” (سفر اعمال الرسل 15:3) ولم يقولوا بأنه مؤسس دين. ‏ونقرأ في (سفر أعمال الرسل 19:5-20) أن الرب أرسل ملاكه ليخرج الرسل من السجن الذي وضعهم فيه رجال ‏الدين اليهود، وقال لهم الملاك “اذْهَبُوا قِفُوا وَكَلِّمُوا الشَّعْبَ فِي الْهَيْكَلِ بِجَمِيعِ كَلاَمِ هَذِهِ الْحَيَاةِ”.

أي أن الله أمر ‏كنيسته بواسطة الملاك بالتبشير بكلام هذه الحياة” وليس بتعاليم دين معين. نلاحظ هنا أن كلمة “حياة” جاءت ‏معرَّفة، حيث قال “الحياة” فالمسيحية هي الحياة الحقيقية وليست أي حياة أخرى.‏

وعندما آمن عدد كبير من اليونان والرومان وغيرهم بالرب يسوع المسيح، نقرأ أن جموع المؤمنين “لَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ ‏سَكَتُوا وَكَانُوا يُمَجِّدُونَ اللهَ قَائِلِينَ: «إِذاً أَعْطَى اللهُ الْأُمَمَ أَيْضاً التَّوْبَةَ لِلْحَيَاةِ!” (سفر أعمال الرسل 18:11). لقد تاب ‏الناس وآمنوا بالحياة المسيحية، ولم يؤمنوا بدين أو شيء آخر. ‏ نجد في رسائل بولس الرّسول تعاليم واضحة تبيّن الفرق بين المسيحيّة والدّين. فمثلاً في الرّسالة إلى أهل رومية، ‏يفسّر بولس الرّسول حقيقة أن التّبرير لا يتم على أساس طقوس دينيّة، بل يتم بناءً على عمل الرّب يسوع على ‏الصّليب.

أي أن يسوع البار هو الّذي يبرّر كل من يؤمن به.

وفي رسالة كورنثوس الأولى، يواجه بولس الرسول ‏مظاهر التّدين الّتي بدأت تظهر في كنيسة كورنثوس، ويدعو الى نبذها والتوقف عن ممارستها. وفي رسالته الثّانية إلى ‏الكنيسة في كورنثوس، يبيّن بولس الرّسول الفرق بين خدمة إنجيل نعمة الله، وسوء استخدام الطّرق الدينيّة.‏ يشدّد بولس الرسول في رسالة غلاطية على تناقض الإنجيل والدّين، وينكر وجود أي كتاب أو تعليم مقدّس غير ‏الإنجيل.

وبعكس العنصريّة والتعصّب الدّيني، يفسر بولس الرّسول في رسالة أفسس أن الجميع أصبحوا خليقة ‏جديدة بنعمة الله، وأن المؤمن المسيحي هو إنسان جديد في شخص الرّب يسوع المسيح.

القس بسام بنورة .. المسيحيّة: هل هي دين أم ماذا؟ - الجزء الثالثوفي مواجهة الدّيانات ‏الوثنيّة والتّشدد في آسيا الصّغرى (غرب تركيّا اليوم)، كتب بولس الرّسول في رسالته إلى كولوسي عن تفوّق وامتياز ‏المسيح الّذي هو حياتنا. وباختصار، نجد في جميع رسائل بولس الرّسول كيف أنّ المسيحيّة تختلف بل وتعارض بقوّة ‏أي دين.‏ في الرّسالة إلى العبرانيّين، يفسّر كاتب الرّسالة كيف أن حياة وتعاليم الرّب يسوع المسيح تلغي أي ميل للتديّن في ‏فهم العهد القديم. فالرّب يسوع هو المكمّل والمفسّر للعهد القديم.

وفي رسالة يعقوب نجد تعليماً مريحاً يوضح أنّ ‏القيام بالطّقوس الدينيّة لا قيمة له، أما الإيمان المسيحي فهو العيش في نور حياة وتعاليم الرّب يسوع المسيح.‏

ونجد في آخر سفر في الكتاب المقدّس، أي في سفر رؤيا يوحنّا اللاهوتي، قمّة إعلانات الله في العهد الجديد.

يعلن ‏الرّب يسوع في الرؤيا التي كشفها للكنيسة بواسة الرّسول يوحنّا بأنّ الدّين سيحاول دائماً التّغلب على المسيحيّة ‏وجعلها ديانة أرضية دنيويّة عالميّة، وذلك كما كان يعمل في الكنائس السّبعة في آسيا. وكيف أن جميع محاولات ‏الشيطان الدّينية ستفشل. كذلك نعرف من وحي الله في سفر الرؤيا عن انتصار الرّب يسوع الحتمي على الدّين، ‏وهذا الإنتصار قادم عن قريب. الرّب يسوع له المجد هزم إبليس وهزم الموت وقام منتصراً، وسيغلب جميع الهجمات ‏والتعاليم الباطلة والبدع والعقائد الّتي تحاول القضاء على الفرق بين المسيحيّة والدّين.‏

المـــــــــــــــــزيد:

المسيحيّة: هل هي دين أم ماذا؟ – الجزء الأول

المسيحيّة: هل هي دين أم ماذا؟ – الجزء الثاني

يسوع المصلوب – إِلهي لماذا تركتني؟

المسيح هو الذبح العظيم

خدعوك فقالوا: “أنَّ الكتاب المقدَّس قد حُرِّفَ

Aisha Ahmad

رئيس تحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى