حقيقة الإسلامدراسات قرأنية

دافيد بلحاسن .. أين تقع مكة بحسب القرآن؟

أين تقع مكة بحسب القرآن؟ 

المؤرخ : دافيد بلحاسن David Belhassen

تمثل مكة المدينة المقدسة الشهيرة التي تحضي بأهمية محورية في الإسلام و لدى المسلمين، قبلة جميع المسلمين الذين يأتون إليها أفواجا من كل فج عميق، تعتبر في نظر المسلمين في شتى أنحاء العالم بأنها أقدس و أطهر بقعة بل و مركز للكون كذلك عزى اليها الكثير من الاساطير كخرافة بناء ابراهيم و نجله اسماعيل للكعبة على ارض مكة و الكثير قد قيل عنها في الروايات من فضائل و أوصاف ، فهو البيت العتيق و أول قبلة يعبد فيها الله الإسلامي و غيرها من المديح ، رغم هذا القران لا يقدم اي وصفا دقيق لها و لا يذكرها كثيرا ، و السؤال نطرحه كالعادة في ضوء الدراسة : هل مكة هي فعلا مركز البيت الحرام العتيق و أول قبلة أم بيت العبادة المستنسخ  من قبلة أخرى رغم وجود كعبات او مكعبات في الجزيرة العربية  ؟ 

 ورد اسم مكة  في القران مرة واحدة فقط تحت اسم:  ” مكة ”  في الآية 24 من سورة الفتح رقم : 48

وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا

يأتي ترتيب هذه السورة في المرتبة 48 في القران الحالي الذي بين أيدينا ، و يرى العلماء أنها من ضمن السور الأواخر في القران حيث تأتي في الترتيب 111 من مجموع 114 سورة  حسب الترتيب الزمني وهذا رأي غالب الباحثين و لم تكتب في مكة لكن في المدينة .

لكن ماذا يعني كاتب القران بعبارة : ” بطن مكة ” ؟

وما الذي يؤكد لنا بأنه كان يقصد بهذه العبارة جيدا المدينة التي يعرفها اليوم المسلمون : ” مكة ” ؟

يأتي لفظ كلمة ” مكة ” بصيغته العربية مشتقا من جذر الكلمة العبرية  חכ  MK التي تعني ” منخفض ” او ” عميق ”  كما في كلمة  “namukh” נמוך  التي تعني ‘ انخفض ”.

من المهم جدا أن نذكر هنا  مصادر من  التلمود تتحدث  لنا عن المكان المقدس عند اليهود و الذي يعتبرونه حسب التقليد أقدس بقعة في العالم و مركزا الكون ،”  سرة البطن ”  أو  ” حجر الأساس “

حجر الأساس بالعبرية  אבן השתייה  إيفين هاشتياه ؛ بالعربية “الصخرة “؛ هو اسم الصخرة الواقعة في مركز قبة الصخرة في القدس، والتي يقال إنها زرعت هناك في بداية الخلق وإنها أُخِذت من قبل الله من عرش مجده حسب الأساطير اليهودية .

الحقيقة أن الصخرة غير مذكورة في القرآن. وأول تماس بين الإسلام كمؤسسة حكم والصخرة كان في زمن عمر بن الخطاب على يد اليهودي الذي أشهر إسلامه، كعب الأحبار، كان يعرف الشريعة الشفوية (التلمود). كان كعب أحد أتباع عمر حين دخل الأخير القدس، وبناء على طلبه، حدد له المكان الذي كان الهيكل قائماً عليه …

وهي تسمى أيضاً بالحجر النفيس لأنها تتضمن ثقباً صغيراً في الزاوية الجنوبية الشرقية منها يصل إلى كهف تحت الصخرة، يعرف باسم بئر الأرواح. ويعتقد أنها كانت موقع قدس الأقداس في الهيكل، وهو أقدس ما في اليهودية ( مدراش تنحوما، الفصل 10 ). تنظر إليها التقاليد اليهودية كوصلة روحانية تربط الأرض بالسماء.  واليهود يتوجهون إليها تقليدياً في صلواتهم.

ان قبة الصخرة في مدينة القدس القديمة تدعى جبل مورياه. جبل الهيكل دعي بالعبرية حار بابيت، الذي يعني جبل البيت، كما في بيت الله  بالعربية ” الحرم الشريف “.

سرة الكون هي بالضرورة المكان الأعمق و الغائر في البطن ، في حين حجر الأساس يعني انه من الضروري رفعه كأساس في تعمير أي بناء .

تتجمع لنا جميع الكلمات المفتاحية هنا لاستنتاج العلاقة بين الطقس الإسلامي الذي استعار مما لاشك أسس و معالم العبادة التي يقدسها اليهود على أرضهم .

لا يذكر المؤرخون و لا علماء الآثار و الحفريات شيئا عن مكة  و الأسطورة التي تمتلئ بها كتب التراث الإسلامي التي أتت متأخرة لتنسج طابعا أسطوريا حول مكة تضاهي به اليهودية الحاخامية  فلطالما كان اليهود الخصم الفكري للإسلام  و العدو السياسي له طيلة أيام مؤسس الإسلام  ، وهنا تعود الفرضية التاريخية إلى الطرح مجددا : لم يصلنا أي اثر تاريخي عن الإسلام الأول  سوى مجموعة مجلدات مليئة بالروايات المتضاربة  . 

zo13

أية أخرى من القران  في سورة ال عمران 96  تذكر مكة باسم أخر و هو : ”  بكة ” اللفظ الذي تم اقتناصه  بطريقة عبثية من سياقه  في مزمور 84: 6 الذي يصدح به المسلمون طربا رفقة دكتورهم  الاعجازي زغلول النجار فيتأولونه على انه نبوءة عن مجيء رسول الإسلام  و مكة .

عَابِرِينَ فِي وَادِي الْبُكَاءِ، يُصَيِّرُونَهُ يَنْبُوعًا. أَيْضًا بِبَرَكَاتٍ يُغَطُّونَ مُورَةَ

בּכא : bak ‘ah الكلمة في أصلها تنطق هابخا اي البكاء او النحيب بأداة التعريف  كما ان شرح المزمور يتكلم عن الشعب اليهودي أثناء صعوده الى هيكل الرب في أورشليم الذي يسميه (مسكن الرب) ويتأمل في الاطمئنان الذي يستشعره كل كائن حي ، حتى العصافير الصغيرة (السنونة ) التي تجد عشا في هيكل الرب (مذابح رب الجنود)، ثم بطوب الساكنين في بيت الرب ، ويطوب الذين يقصدون اليه ، رغم متاعب الطريق، في وادي البكاء (وادي شجر البكا او البلسان) التي تبدو كأنها تبكي لإخراج الدواء والشفاء، فرغم ألمهم في الطريق وبكائهم، الا أنهم يصيرون هذا الوادي الجاف بدموعهم الى ينبوعا، فحتى هذا الطريق الوعر الصعب كان يبدو منعشا وكأنه ينبوع ، او مغطى بوفرة ببركات ماء المطر ( ببركات يغطون مورة .

فلاحظ الاية القرانية  و مدى الاستعارة البيانية من المزمور .

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ .

 يأتي ذكر الكعبة  مرة واحدة كذلك في الاية 95 و سورة المائدة رقم 5 حسب الترتيب الحالي:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ

 تأتي هذه السورة في ترتيبها الحقيقي ضمن أخر سورة في القران 114

و السؤال: ماذا تعني كلمة: كعبة:

يتفق معظم اللغويين و الباحثين في أصول اللغات بأن الكلمة العربية ” كعبة ” ليست عربية أبدا ، بل تم تعريبها من كلمة يونانية المصدر (kubos) أي المكعب لوصف الشكل و المجسم الهندسي للبناء الموجود ، و لكن لا يمكن الاعتقاد ان البناء القريشي هو الوحيد الذي يحمل شكل المكعب ـ فهناك صرح ديني مر عليه 1500 سنة كان مكعب الشكل وهو قدس الأقداس اليهودي في هيكل أورشليم ، اين لا يمكن لأي احد الدخول اليه ماعدا الكاهن الاعظم الذي يدخله مرة في السنة لتقديم الذبيحة و يسمى يوم الكفارة ( راجع سفر اللاويين ) حيث يمثل المكان حضور الرب فهو بمثابة المكان المحرم  على الشعب دخوله .

و لا غرابة إذا كان محمد يلتقط المعلومات من أحبار اليهود في المدينة و يسمع منهم هذه الأمور التي صارت مرجعاً و مصدراً لمعلوماته الدينية بها يتنافس مع خصومه ، فهو بالنهاية ليس اخرسا او اصما حتى يقال انه كان أميا ؟

كان لابد ان يتم منح مكانة سياسية و دينية لمكة باقتباس و استنساخ ما لدى الثقافات الأخرى و اليهود خاصة لأنهم كانوا النخب البارزة في المجتمع المدني و قد تمت إضافة المسجد الحرام ليتمكن المسلمون بعدها من إنتاج مدينة ذات طابع قدسي يلتف حولها المسلمون سياسيا و دينيا .

إن الجذر اللغوي الذي اشتقت منه كلمة: مسجد تعود إلى الآرامية و التي تعني القيام بالعبادة ، و تقوم ايضا مجموعة من اليهود الإثيوبيين يسمون ب : הפלאשים الفلاشاس بطقس السجود “سجد SIGD ” حيث هم كذلك ينتمون الى بيت إسرائيل و يجتمعون لأداء طقس السجود و التوجه في اتجاه قدس الأقداس الذي يمنع دخوله إلا من طرف الكاهن .

كما إن عبارة :’ المسجد الحرام ” هي خاطئة و مضللة في ترجمتها إلى اللغات الأجنبية إذا ما حرصنا على الأصول الحقيقية و مصدر هذه التسمية .

قد يتساءل البعض من اين يحصل نبي الإسلام أو أي كان المتحدث في الإسلام عن هذه المصادر ، الجواب سهل فشخص مثل كعب الأحبار هو من خلفية يهودية قد الم بكل القصص و الأساطير التي قام بتسريبها إلى القران و إلى الأحاديث مختلقا الأخبار و مستغلا جهل العرب بالكتب المقدسة و عدم فهمهم و بحثهم .

كخلاصة نهائية : الكعبة و مكة و حتى المسجد الحرام كلها معالم لا علاقة لها بالبيئة العربية التي يعتقد المسلمون بأنها أتت موثقة بالتاريخ ومرتبطة بإبراهيم و بوحي من السماء ، أورشليم و الهيكل و قدس الأقداس كلها أسماء معالم سقط فيها القران سقطة شديدة  ليرسم هالة التقديس على المكان الذي لابد لإله قريش أن يخص به العرب.

اليوم أصبح الصراع العربي الفلسطيني اليهودي قضية القرن، و المسلمون يضعون القدس الإسلامي محل اهتمامهم في حين يجهلون قرانهم المنتحل من اليهودية الربانية نسخة طبق الأصل. 

الشكل الهندسي للهيكل.
الشكل الهندسي للهيكل

ترجمة و اعداد و اقتباس من موقع الباحث و المؤرخ:

دافيد بلحاسن 

David Belhassen

 

 

Aisha Ahmad

رئيس تحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى