عبد عطشان هاشم .. وما زال البحث عن الاسلام الصحيح مستمراً

وما زال البحث عن الاسلام الصحيح مستمراً
عبد عطشان هاشم
“الاسلام الصحيح” تلك العبارة المبهمة المطاطة ، التي يتشدق بها تجار الدين ويدندن بها الكثير من الناس بلا وعي ورائهم ، وكأنها ترنيمة جميلة تشيد بإسلام سحري ليس له وجود ولم يخلق بعد ، او ربما هو موجود في ارض العجائب فقط.
ترتكب يومياً عشرات الجرائم والتفجيرات الانتحارية بإسم الإسلام.
ويعلل المسلمون ذلك بالمؤامرات الخيالية على الاسلام والفهم الخاطيء للاسلام وينسون ان النصوص الدينية الاسلامية ( القران والسنة) فيها العشرات من الايات والاحاديث التى تدعو الى قتل المشركين والمرتدين اينما كانوا ، ولو سألت احد المسلمين فيما إذا كانت هذه الجرائم البشعة بحق الابرياء تحسب على الإسلام؟ ستكون إجابته -ودون تردد- كلا ليس هذا الاسلام الصحيح! لكنك لو سألت الشخص ذاته ، عن اي نجاح ولو كان متواضعا لشخص مسلم (على الورق فقط) فسيقول لك نعم هذا هو الاسلام الصحيح!!
“لو طبق الاسلام الصحيح !” ، عبارة مخادعة اخرى نسمعها يوميا او نقرأها . الم تكن 1400 سنة من التطبيق كافية ؟ وماهو الحصاد المر لهذا التطبيق؟ مئات من الحكام المستبدين ومئات من الفقهاء التي كانت مهمتهم الوحيدة هي تبرير هذا الاستبداد والباسه رداء القداسة الالهية وامة عاجزة ومتخلفة حد اليأس؟
هل هناك دولة تطبق الاسلام الصحيح في الوقت الراهن كما يراه المسلم في اكثر احلامه وردية؟ الجواب ببساطة شديدة : كلا!
ويبقى السؤال ماهو الاسلام الصحيح ؟
عندما نتسائل على هذا النحو فهذا يعني ان لدينا اكثر من نسخة في الوقت الراهن احدهما فقط هي الدين الخيالي الصحيح. ولكن من يحدد الدين الصحيح من الدين الخطأ ذلك؟ هل هم مثلا هيئة الافتاء في السعودية ، شيخ الازهر في مصر ، الولي الفقيه في ايران، القرضاوي، العريفي ، داعش ، القاعدة طالبان ، جبهة النصرة الخ…؟ وهل هناك نسخة اخرى من القران لانعلم بها ، او سنة نبوية لم يكشف الستار عنها بعد.
من الواضح ان القوم انفسهم لم يقرروا بعد ايهما الاسلام الصحيح ولديهم دينان احدهما صحيح والآخر خاطئ وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا كما يقول الشاعر.
حسنا ، لنبسط الامور اكثر ، هناك فريقان احداهما يقول ان الاسلام الصحيح هو الالتزام الحرفي بنصوص القران والسنة واستبعاد اي اجتهاد عقلي كما اسسس لذلك ابن حنبل وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب من بعده باعتبارها نصوص الهية منزلة وكما يبرر ذلك ابن تيمية في مقولته المعروفة (الحديث الضعيف خير لدينا من الرأي) وعدم الحياد عنها الى يوم القيامة ، بأعتبار ان الاسلام صالح لكل زمان ومكان .
وهذا يعني تشريع جهاد غير المسلمين الذين لايدفعون الجزية وقتل المرتد وتارك الصلاة ، ملك اليمين وسبي نساء المشركين واموالهم، والجهاد ضد الجميع، والعودة الى الخلافة ، وهجر الفنون واحراق وثيقة حقوق الانسان برمتها.
ولكن مهلا… اليس هذا ماتفعله داعش ونظرائها الان بالضبط؟
فهل داعش هي الاسلام المنشود الذي طال البحث عنه ؟
وإذا كنت تعتقد ان داعش ليست إسلامية، فمحاكم التفتيش اذن لم تكن كاثوليكية!
اما الفريق الاخر فيقول ان الاسلام الصحيح هوالاسلام الوسطي المعتدل ، اي بعبارة ادق الاسلام الانتقائي ، الذي يختار مايناسبه من النص وحسب الظرف ، فهو يؤمن بحد الردة ورجم الزاني وقطع يد السارق والجهاد في سبيل الله واباحة دماء الكفرة وقتل الملحدين واجبار اهل الذمة علي دفع الجزية , لكنه يتغاضى عن نصوصه الى حين ،لا يفعلها الا في الظرف المناسب فهو مسلم معتدل مع وقف التنفيذ ، فتراه يتحلى بابتسامة التسامح حينا ولكنه لن يتردد في التكشير عن انيابه عندما يقتضي الامر ذلك والغريب ان كثيرا من المسلمين المعتدلين لجأوا الى البلدان الغربية هربا من تطرف اخوانهم في الدين لكنهم اصبحوا متطرفين ومتشددين اكثر من جلاديهم بالرغم من جو الحرية والمساوة واحترام حقوق الانسان الذي يعيشونه هناك .
فنحن اذن امام ثنائية دكتور جيكل ومستر هايد كما في رواية الكاتب الانجليزي روبرت لويس ستيفنسون الشهيرة ، اذا اخترت السور المكية من القران وبعض ماورد في السنة واصبحت دكتور جيكل فانت مسلم معتدل، اما اذا اخترت السور المدنية التي نسخت السور المكية كما يقول المفسرين ، فقد اخترت شخصية مستر هايد فانت ارهابي.
قد يكون هناك العديد من المسلمين المعتدلين ، لكنهم معتدلين لانهم يؤمنون بالخير والتسامح والمحبة الانسانية والسلام وليس لانهم مسلمين ، لقد وضعوا انسانيتهم فوق انانيتهم الدينية.
خلاصة القول لن تجدوا الاسلام الوردي الذي تبحثون عنه طويلا لانه من صنع خيالكم ، ولم ينبت على ارض الواقع يوما ما !